بجانب المكتب يوجد فوتيه أمامه ترابيزة صغيرة يضع عليها لوازم القهوة والشاى، حيث يجلس للقراءة. خلف الفوتيه كشاف ضوئى مثبت فى الحائط، ميزته أن له اضاءة مركزة لا تهدر فى باقى الغرفة. قليلة هى المساحات البينية بين الضوء والظلام. هذا الضوء الاسطوانى المركز الآتى من الخلف يحيط حواف الجسم العليا بهالة ضوئية. أتوقع ماذا كان يشعر صديقى عندما يقرأ ويغمره هذا الضوء، من القدسية والخفة، على هذا الجسم الضعيف أن يواجه مصيره ويتمسك أكثر بأحلامه، شعور بالمسئولية تجاه المستقبل مخلوط بالسعادة، الكتب وحدها هى التى تجمع هذين الشعورين سوية. كل ما يقرأه يصبح حقيقة لحظية، تكفى هذه اللحظات ليحقق الجسم انسجاماً مفقوداً بين مادة الجسم ومادة الفكر. الانسجام ضد شروط الجاذبية، يرتفع الفوتيه بصاحبه إلى مستوى هذا الحضن الملائكى. هنا تدخل السيجارة المشهد، السيجارة أو كأس من البراندى يُشرب مرة واحدة، أو أى حركة مبادرة من الجسم لتعطى رمزاً لهذه السعادة لتجعلها مرئية.

ما كان يعجبنى فى صديقى هو نظامه، أو ما يعكسه هذا النظام، تلك الروح القوية التى يتمتع بها، هذا الشعور بالاستغناء، ويمكن تحت أى ظروف أن يصنع لنفسه مكاناً أليفاً ومليئاً بالتفاصيل الإنسانية. كنت ألاحظ احساساً آخر وراء الرغبة فى الإنفصال عن الحياة بهذه الغرفة الكونية، وهو أنه يختبر إرادته فى أن يعيش وحيداً، ماذا سيحدث عندها؟ لو إمتدت هذه الوحدة طوال العمر؟ أغلب الأوقات كان صديقى يبدو صامتاً، يستمع فقط، ويتكلم قليلاً، ربما حتى لا يطغى صوته على صوت العالم الصامت الذى يعيش داخله، تتحرك فيه مفرداته باستجابات أخرى. داخل العالم الصامت عادة ما تتألق الأشياء المرئية، الصوت بعد أن يكتسب شكلاً.

Autor: علاء خالد

بجانب المكتب يوجد فوتيه أمامه ترابيزة صغيرة يضع عليها لوازم القهوة والشاى، حيث يجلس للقراءة. خلف الفوتيه كشاف ضوئى مثبت فى الحائط، ميزته أن له اضاءة مركزة لا تهدر فى باقى الغرفة. قليلة هى المساحات البينية بين الضوء والظلام. هذا الضوء الاسطوانى المركز الآتى من الخلف يحيط حواف الجسم العليا بهالة ضوئية. أتوقع ماذا كان يشعر صديقى عندما يقرأ ويغمره هذا الضوء، من القدسية والخفة، على هذا الجسم الضعيف أن يواجه مصيره ويتمسك أكثر بأحلامه، شعور بالمسئولية تجاه المستقبل مخلوط بالسعادة، الكتب وحدها هى التى تجمع هذين الشعورين سوية. كل ما يقرأه يصبح حقيقة لحظية، تكفى هذه اللحظات ليحقق الجسم انسجاماً مفقوداً بين مادة الجسم ومادة الفكر. الانسجام ضد شروط الجاذبية، يرتفع الفوتيه بصاحبه إلى مستوى هذا الحضن الملائكى. هنا تدخل السيجارة المشهد، السيجارة أو كأس من البراندى يُشرب مرة واحدة، أو أى حركة مبادرة من الجسم لتعطى رمزاً لهذه السعادة لتجعلها مرئية.<br /><br />ما كان يعجبنى فى صديقى هو نظامه، أو ما يعكسه هذا النظام، تلك الروح القوية التى يتمتع بها، هذا الشعور بالاستغناء، ويمكن تحت أى ظروف أن يصنع لنفسه مكاناً أليفاً ومليئاً بالتفاصيل الإنسانية. كنت ألاحظ احساساً آخر وراء الرغبة فى الإنفصال عن الحياة بهذه الغرفة الكونية، وهو أنه يختبر إرادته فى أن يعيش وحيداً، ماذا سيحدث عندها؟ لو إمتدت هذه الوحدة طوال العمر؟ أغلب الأوقات كان صديقى يبدو صامتاً، يستمع فقط، ويتكلم قليلاً، ربما حتى لا يطغى صوته على صوت العالم الصامت الذى يعيش داخله، تتحرك فيه مفرداته باستجابات أخرى. داخل العالم الصامت عادة ما تتألق الأشياء المرئية، الصوت بعد أن يكتسب شكلاً. - علاء خالد


©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab