وصعد بلال فوق ظهر الكعبة فأذن للصلاة ، وأنصت أهل مكة للنداء الجديد على آذانهم كأنهم في حلم ، إن هذه الكلمات تقصف في الجو فتقذف بالرعب في افئدة الشياطين فلا يملكون أمام دويِّها إلا أن يولوا هاربين ، أو يعودوا مؤمنين.

الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر.
هذه الصيحات المؤكدة تذكر الناس بالغاية الأولى من محياهم ، وبالمرجع الحق بعد مماتهم ، فكم ضلّلتِ البشرَ غاياتٌ صغيرة أركضتهم على ظهر الأرض ركضَ الوحوش في البراري ، واجتذبت انتباههم كلَّه فاستغرقوا في السعي وراء الحطام ! وامتلكت عواطفهم كلها ، فالحزن يقتلهم للحرمان ، والفرح يقتلهم بالامتلاء ، ولِمَ يسفه المرء نفسه بالغيبوبة في هذه التوافه؟.
إن صوت الحق يستخرجه من وراء هذه الحجب المتراكمة ليلقي في روعه ما كان ينساه ، وهو تكبير سيد الوجود ، ورب العالمين ، سيده ومولاه ...

أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله .
لقد سقط الشركاء جميعاً ، طالما ضرع الناس للوهم ، واعتزُّلوا بالهباء ، وأمَّلوا الخير فيمن لا يملك لنفسه نفعاً ، وانتظروا النجدة ممن لا يدفع عن نفسه عدوان ذبابة.
ولِمَ الخبط في هذه المتاهات ؟ إن كان المغفَّلون يشركون مع الله بعض خلائقه ، أو يؤلهونها دونه ؟ فالمسسلمون لا يعرفون الا الله ربَّاً ، ولا يرون غيره موئلا.
والتوحيد المحض ، هو المنهج العتيد للغاية التي استهدفوها.
ولكن مَنِ الأسوة ؟ مَن الإمام في هذه السبيل ؟ مَن الطليعة الهادية المؤنسة؟ إن المؤذن يستتلي ليذكر الجواب :

أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله.
سيرة هذا الرجل النبيل هي المثل الكامل لكل إنسان يبغي الحياة الصحيحة ، إن محمداً إنسان ، يرسم بسنته الفاضلة السلوك الفريد لمن اعتنق الحق وعاش له.
وهو يهيبُ بكل ذي عقل أن يُقبل على الخير ، وأن ينشط إلى مرضاة الله وليِّ أمره ، ووليِّ نعمته ، فيحث الناس أولاً على أداء عبادة ميسورة رقيقة :

حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الصلاة.
هذه الصلوات هي لحظات التأمل في ضجيج الدنيا ، هي لحظات المآب كلما انحرف الإنسان عن الجادة ، هي لحظات الخضوع لله كلما هاج بالمرء النزق ، وطغت على فكره الأثرة فنظر إلى ما حوله ، وكأنه إله صغير. هي لحظات الاستمداد والإلهام.
وما افقر الإنسان – برغم غروره – إلى من يلهمهمه الشد فلا يستحمق ، ويمده بالقوة فلا يعجز ويستكين . ثم يحث الناس –أخيراً- على تجنب الخيبة في شؤونهم كلها.
والخيبة إنما تكون في الجهد الضائع سدى ، في العمل الباطل لأنه خطأ ، سواء كان الخطأ في الاداء ، أو في المقصد.. وهو يحذر من هذه الخيبة عندما يدعو :

حيَّ على الفلاح ، حيَّ على الفلاح.
ويوم يخرج العمل من الانسان وهو صحيح في صورته ونيته ، فقد أفلح ، ولو كان من أعمال الدنيا البحتة ، ألم يعلِّم الله نبيه أن يجعل شؤون حياته ، بعد نسكه وصلاته خالصة لله ؟:
{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } سورة الانعام.
ولا سبيل إلى ذلك إلا بإصغار ما عدا الله من غايات ، والتزام توحيده أبداً ، ومن ثم يعود إالى تقرير الغاية والمنهج ، مرة أخرى.

الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله ...
إن كلمات الأذان تمثل العناوين البارزة لرسالة كبيرة في الإصلاح ، ولذلك جاء في السنن الثابتة أن المسلم عندما يسمعها يقول:
((اللهم ررب َّ هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إنك لا تخلف الميعاد)) حديث صحيح

Autor: محمد الغزالي

وصعد بلال فوق ظهر الكعبة فأذن للصلاة ، وأنصت أهل مكة للنداء الجديد على آذانهم كأنهم في حلم ، إن هذه الكلمات تقصف في الجو فتقذف بالرعب في افئدة الشياطين فلا يملكون أمام دويِّها إلا أن يولوا هاربين ، أو يعودوا مؤمنين.<br /><br />الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر.<br />هذه الصيحات المؤكدة تذكر الناس بالغاية الأولى من محياهم ، وبالمرجع الحق بعد مماتهم ، فكم ضلّلتِ البشرَ غاياتٌ صغيرة أركضتهم على ظهر الأرض ركضَ الوحوش في البراري ، واجتذبت انتباههم كلَّه فاستغرقوا في السعي وراء الحطام ! وامتلكت عواطفهم كلها ، فالحزن يقتلهم للحرمان ، والفرح يقتلهم بالامتلاء ، ولِمَ يسفه المرء نفسه بالغيبوبة في هذه التوافه؟.<br />إن صوت الحق يستخرجه من وراء هذه الحجب المتراكمة ليلقي في روعه ما كان ينساه ، وهو تكبير سيد الوجود ، ورب العالمين ، سيده ومولاه ...<br /><br />أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله .<br />لقد سقط الشركاء جميعاً ، طالما ضرع الناس للوهم ، واعتزُّلوا بالهباء ، وأمَّلوا الخير فيمن لا يملك لنفسه نفعاً ، وانتظروا النجدة ممن لا يدفع عن نفسه عدوان ذبابة.<br />ولِمَ الخبط في هذه المتاهات ؟ إن كان المغفَّلون يشركون مع الله بعض خلائقه ، أو يؤلهونها دونه ؟ فالمسسلمون لا يعرفون الا الله ربَّاً ، ولا يرون غيره موئلا.<br />والتوحيد المحض ، هو المنهج العتيد للغاية التي استهدفوها.<br />ولكن مَنِ الأسوة ؟ مَن الإمام في هذه السبيل ؟ مَن الطليعة الهادية المؤنسة؟ إن المؤذن يستتلي ليذكر الجواب :<br /><br />أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله.<br />سيرة هذا الرجل النبيل هي المثل الكامل لكل إنسان يبغي الحياة الصحيحة ، إن محمداً إنسان ، يرسم بسنته الفاضلة السلوك الفريد لمن اعتنق الحق وعاش له.<br />وهو يهيبُ بكل ذي عقل أن يُقبل على الخير ، وأن ينشط إلى مرضاة الله وليِّ أمره ، ووليِّ نعمته ، فيحث الناس أولاً على أداء عبادة ميسورة رقيقة :<br /><br />حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الصلاة.<br />هذه الصلوات هي لحظات التأمل في ضجيج الدنيا ، هي لحظات المآب كلما انحرف الإنسان عن الجادة ، هي لحظات الخضوع لله كلما هاج بالمرء النزق ، وطغت على فكره الأثرة فنظر إلى ما حوله ، وكأنه إله صغير. هي لحظات الاستمداد والإلهام.<br />وما افقر الإنسان – برغم غروره – إلى من يلهمهمه الشد فلا يستحمق ، ويمده بالقوة فلا يعجز ويستكين . ثم يحث الناس –أخيراً- على تجنب الخيبة في شؤونهم كلها.<br />والخيبة إنما تكون في الجهد الضائع سدى ، في العمل الباطل لأنه خطأ ، سواء كان الخطأ في الاداء ، أو في المقصد.. وهو يحذر من هذه الخيبة عندما يدعو :<br /><br />حيَّ على الفلاح ، حيَّ على الفلاح.<br />ويوم يخرج العمل من الانسان وهو صحيح في صورته ونيته ، فقد أفلح ، ولو كان من أعمال الدنيا البحتة ، ألم يعلِّم الله نبيه أن يجعل شؤون حياته ، بعد نسكه وصلاته خالصة لله ؟:<br />{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } سورة الانعام.<br />ولا سبيل إلى ذلك إلا بإصغار ما عدا الله من غايات ، والتزام توحيده أبداً ، ومن ثم يعود إالى تقرير الغاية والمنهج ، مرة أخرى.<br /><br />الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله ...<br />إن كلمات الأذان تمثل العناوين البارزة لرسالة كبيرة في الإصلاح ، ولذلك جاء في السنن الثابتة أن المسلم عندما يسمعها يقول:<br />((اللهم ررب َّ هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إنك لا تخلف الميعاد)) حديث صحيح - محمد الغزالي




©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab