لم تكن الثورة حدثًا قاصرًا على ميادين الحضارة أو الاقتصاد أو المجتمع أو السياسة. فكل ثورة حقيقية هي عضو في أسرة كبيرة تتميز بسما الإيمان، والشعور المتضخم بالقوة والأهمية، والعدوان، والرغبة العارمة، والتضحية والموت ـ هذه المشاعر التي هي أبعد ما تكون عن نطاق المصلحة والوجود. وأي شخص كان له دور في ثورة أو تابع تطورها عن قرب، يستطيع أن يؤكد وجود هذه الملامح الأخلاقية. إنه يرى الثورة كقصيدة ملحمية وليس فقط مجرد تدمير آلي أو تغيير بسيط في الآلة الحاكمة.
وهذا يفسر لنا عجز العمال في الدول الرأسمالية عن الثورة، كما يفسر من ناحية أخرى حماس الشعراء والفنانين والمتدينين للثورة، التي قد تبدو ملحدة عند إعلانها. ولكن، إذا نظرنا إلى الثورة من الداخل ـ لا باعتبارها عملية ولكن كجزء من الحياة ـ فستبدو لنا كالدراما التي تؤثر في الناس تأثير الأديان. أما إذا نُظر إليها من الخارج، أي من وجهة النظر السياسية الواقعية، فيمكن أن تتخذ صفة مختلفة وهدفًا مختلفًا.
إن المجتمع الذي تسيطر عليه مشاعر التضامن والتضحية والمصير المشترك يعتبر في «حالة دينية». هذا هو مناخ «الحرارة العاطفية العالية» الذي يظهر في حالات الطوارئ وفي الاحتفالات الدينية عندما يجمع الناس شعور الأخوَّة والصداقة.
Autor: Alija Izetbegović