وكما يفعل كثير من الناس اليوم، إذ يستخفهم الحكام ليقدسوهم وينزهوهم عن النقائص ويجعلوهم رمز الكمال المطلق ويعظموهم ويدينون لهم بالولاء المطلق، ويأتمروا بشريعتهم في كل الأمور العقيدية والفكرية والعملية. وكل ذلك من استتباعات العبودية التي يدفع كثير من حكام اليوم شعوبهم لاتباعها، ترهيبا تارة وترغيبا أخرى ... فيستجيب لهم كثير من الناس خوفا أو طمعا، فمنهم من يترك عبودية الله جملة أو تفصيلا، ويعتنقوا مكانها عبودية الرؤساء ومنهم من يجمع بين العبوديتين ويوجه وجهه تارة إلى الله عبودية وخوفا وطمعا وتارة إلى الحكام خوفا وطمعا أيضا، وذلك هو الشرك المتناقض مع العبودية الخالصة لله تعالى والخوف منه وحده والطمع فيه وحده. ولقد شاع شرك الرؤساء اليوم في الأقطار الإسلامية وغيرها، إلى حد أفسد عقيدة الكثير من الناس وشعائرهم وأعمالهم ومجتمعاتهم وعلاقاتهم. إذ نصب الرؤساء أنفسهم منصب المشرع والآمر والناهي فوق المشرع والآمر والناهي الاعلى والأكبر وهو الله. فغيروا شرعه وبدلوا أمره ونهيه وخالفوا حكمه وصدوا عن سبيله ودعوا الناس إلى سبل غير سبيله وأكرهوهم على اتباعها، وجعلوا لأنفسهم شعائر وطقوس يتقرب بها الناس إليهم ورفعوا مقاماتهم فوق مقامات الناس ليتمايزوا عنهم في معيشتهم وحياتهم الخاصة، واستكبروا على الحق كلما جاءهم وخالف أمرهم ونهيهم وشرعهم، واستضعفوا الناس ليجعلوهم في طاعتهم طوعا أو كرها، وجعلوا أنفسهم فوق الحق وفوق الناس وكأنهم من طينة الآلهة المتعالية على كل شيء غيرها.
فهؤلاء قد خلعوا على أنفسهم لباس الالوهية والربوبية حتى إن لم يصرحوا بذلك، كما فعل فرعون إذ قال أنا ربكم الأعلى. والناس الذين اتبعوهم قد خلعوا على أنفسهم لباس الشرك حتى إن تبرؤوا منه وزعموا انهم مؤمنين موحدون. فألوهية أولئك وشرك هؤلاء ليس منتفيا بقولهم إنما باعمالهم وبالدليل الحسي المعروف عنهم.
وإن هذه الكتب ما هي إلا هداية كبرى من الله، لا ناقة لي فيها ولا جمل ذلك أني كنت أقوم من النوم فجرا فأصلي الصبح ثم أجلس مستقبل القبلة، ثم أمسك بالقلم فما ألبث إلا قليلا حتى تأتيني الأفكار متتابعة ومتسلسلة، تشد بعضها بعضا فأكتبها؛ وهكذا يمر اليوم كله في الكتابة إلا ما كان من أوقات الأكل والراحة والصلاة؛ وهكذا كانت تمر الأيام حتى أنتهي من الكتاب الأول، فأمر بعده إلى الكتاب الثاني، حتى انتهت سلسلة من خمسة كتب في أربعة أعوام تقريبا.
والملفت للنظر هو أني بدأت الكتابة وأنا لا أدري ما مصير ما أكتب، بل كان الراجح عندي هو أن يستولي عليها السجان غنيمة سهلة ولكن الله فتح لي بعد أن تقدمت في الكتابة شوطا كبيرا، أبواب الخروج بكل ما أكتب إلى خارج أسوار [السجن] بطرق لم تكن في الحسبان أبدا، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) ثم إني كنت أكتب وانا منقطع على كل مرجع أي كان نوعها؛ فكان كل ما كتبت إلهاما من الله عز وجل أو بعض ما ثبت في ذهني من قراءاتي السابقة؛ فهذه نعمة من الله ذي النعم التي لا تحصى (وأما بنعمة ربك فحدث).
Tags: السجن
إن الشرك السياسي هو إذن العقيدة التي بمقتضاها تنسب أفعال وصلوحيات الألوهية إلى الملوك والرؤساء، سواء نسبهما إليها الناس عن طريق ديمقراطية الشعوب الغربية التي تجعل الحكم كله بيد الشعب وتنفي تماما حاكمية الله، وتوكل عليه عدد من الأفراد تمنحهم سلطة تشريعية مطلقة ورئيسا تمنحه سلطة تنفيذية مطلقة، وكلاهما يشرع أو ينفذ ويحكم متحررا تماما من التشريع والحكم الإلهي وهذا ما يعرف بالحكم العلماني أو نسبوهم إلى أنفسهم عن طريق التوارث العائلي فجعلوا الحكم بأيديهم يفعلون به ما يشاؤون فهم لا يتقيدون لا بالحكم الإلهي ولا بإرادة شعوبهم وهذا ما يعرف بالحكم الملكي.
إن أكثر المجتمعات الإنسانية اليوم قائمة إذن على عقيدة "الشرك السياسي" الذي ينفي أو يتجاوز التشريع والحكم الإلهي ويجعلهما بيد الناس أفرادا أو مجتمعات ملوكا او رؤساء، فهم يشرعون ويحكمون ويأمرون بما يرونه بعقولهم فقط وهم يفعلون ذلك بناء على رؤية عقيدية تنفي الوجود الإلهي المعروف بالعلمانية أو الإلحاد. فنفى الوجود الإلهي يستتبعه نفي وجود الحكم او التشريع أو الحكم الإلهي وإن كان كل ما يعرف بالتشريع أو الحكم الإلهي الذي تدعي فئة من الناس عند هؤلاء هي فئة ضالة أو جاهلة أو ظلامية.
Tags: العقيدة التشريع التوحيد الشرك-السياسي
Page 1 of 1.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.