بعدما انطلق ماركو بولو من مدينته البندقيه في رحلة طويلة جاب فيها بلاداً بعد بلاد، وأخذت تخفضه أرض وترتفعه أخرى، انتهى به المطاف في الصين، حيث راح يجالس إمبراطورها قبلاي خان الذي كان لا يبرح مكانه ولا يريم، مما جعله يفتتن بروايات ماركو عن الأماكن القصية المختلفة التي شاهدها، وبوصفه للمدن الغريبة التي دخلها.
ويوم خطر للإمبراطور ، بعد أن سمع منه عن تلك المدن الكثيرة أن يقول:
"ولكن ثمة مدينة لم تأت على ذكرها قط .. إنها البندقية!"
فيبتسم ماركو ويقول:
" عم تظن إذاً كنت أحدثك؟"
فالبندقية كانت موجودة في وصف ماركو للمدن التي تحدث عنها، وهي لم تكن عنده مجرد مرفأ بدأ منه رحلته، وإنما كانت صانعة ثقافته، ووسيلة تعامله مع المدن والناس.
كانت البندقية البوصلة التي تهدي رؤيته و تصرفاته أينما ذهب وحيثما حل، مهما اختلفت الأمكنه التي أخذته إليها أسفاره.
وحين هممت في جمع الكتابات التي حررتها خلال سفرة العمر، استذكرت تنقل ماركو بولو بين المدن المختلفة لأنها تشبهها من حيث تنوع أنماطها ومواضيعها ومناسباتها; فهي تتناول مرة شؤون الفن والتراث، ومرات شؤون الثقافة والسياسة، حتى ليدخل في روع من يقرؤها أنها أشتات مبعثرة لا يربط فيما بينها رابط.
ولكن الأذن المرهفة لابد أن تسمع في كل حرف منها نبض الأرض التي انطلقت منها الكلمات، وأن بوصلة واحدة وحيدة - كبوصلة ماركو بولو - هي التي رسمت مسارها خلال ما يربو على الخمسين عاماً. إنها بوصلة شامية ، عربية، أصيلة تختزن ثقافة ، ورؤية، وانتماءً، ونهج تفكير - هي كلها من صنع الوطن..
Tags: وطن
Page 1 of 1.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.