إن دراسة قضية التأويل يمكن أن تكشف لنا عن أصول كثير من المواقف التفسيرية التي تدافع عن موضوعية المُفَسِّر وتاريخيته التي تفترض تجاوز واقعه وهموم عصره وتبنِّي موقف المعاصرين لظهور النص، فيَفهم النص كما فهموه في إطار معطيات اللغة التاريخية في عصر نزوله. وهذا ما يوقعهم في تناقض منطقي من الوجهة الدينية الاعتقادية، إذ أن النص صالح لكل زمان ومكان ويحتوي كل الحقائق ويُعَدُّ جماعاً للمعرفة التامة، وهذا يتناقض مع القول بضرورة اعتماد المفسر على المأثورات المروية عن الجيل الأول أو الثاني على الأبعد، والوقوف عند فهمهم وتفسيرهم للنص، ولحَلِ هذا التعارض ذهب أصحاب هذا الموقف إلى أن المعرفة الدينية لا تتطور وأن جيل الصحابة والتابعين قد أوتوا المعرفة الكاملة التامة في ما يتصل بالوحي ومعناه، وأن التمسك بمعرفتهم هو العاصم من الزلل والانحراف. وهكذا انتهى بهم الأمر إلى عزل المعرفة الدينية عن غيرها من أنواع المعرفة من جهة، وإلى إنكار تطور المعرفة الإنسانية من جهة أخرى
Author: نصر حامد أبو زيد