إن الانقسام بين السنة والشيعة لا يستعاد بوصفه انقساماً بين فرقاء اصطرعوا علي السلطة واقتتلوا حولها, ثم راحوا يرتفعون بأصول اختلافهم من الأرض إلي السماء; حيث أخفوا الأصل السياسي الذي يتنازعون حوله وراء قناع ديني سميك. وقد كان الواحد من هؤلاء الفرقاء يسعي, من وراء هذا التعالي إلي السماء, إلي تحصين مواقفه وتثبيت اختياراته أو انحيازاته, عبر ما يخلعه عليها هذا التعالي من سمات الديني' المقدس' وينأي بها عن الارتباط بالسياسي' المدنس'. والمهم أن ما كان مجرد انحيازات تحتاج إلي التعرية والفضح يتحول, عبر هذا التعالي, إلي' معتقدات' يتقاتل الناس ويموتون تحت راياتها المقدسة. لا تستعاد تلك الجذور الدفينة للخلاف أبدا, بل إنه يستعاد بما هو خلاف يقوم أصله ومنتهاه في السماء; وأعني فيما هو ديني محض, حيث يجري التغييب الكامل لكل ما هو سياسي وواقعي.