إنّ المصلحة، في أمر ابتداء الدنيا إلي انقضاء مدّتها، امتزاج الخير بالشر ، والضار بالنّافع، والمكروه بالسار، والضِّعة بالرفعة، والكثرة بالقلّة. ولو كانَ الشرُّ صرفا هلكَ الخلق، أو كانَ الخيرُ محضًا سقطت المحنة، وتقطّعت أسباب الفكرة. ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة. ومتي ذهبَ التخيير ذهبَ التمييز، ولم يكُن للعالِم تثَبُّت وتوقُّف وتعلُّم. ولم يكُن علم . ولا يعرف باب التدبير، ودفع المضرة، ولا اجتلاب المنفعة، ولا صبر علي مكروه، ولا شكر علي محبوب، ولا تفاضل في بيان، ولا تنافس في درجة، وبطُلت فرحة الظفر، وعز الغلبة، ولم يكن علي ظهرها محق يجد عزّ الحق، ومبطل يجد ذل الباطل، وموفق يجد برد التوفيق، وشاكٌّ يجد نقص الحيرة وكرْب الوجوم، ولم تكن للنفوس آمال ولم تتشعبها الأطماع ... فسبحان من جعلَ منافعها نعمة ومضارها ترجع إلي أعظم المنافع... وجعلَ في الجميع تمام المصلحة وباجتماعها تمام النعمة"
الجاحظ
Author: نديم الجسر