هات حدثنا عن العقل و الهوى
فأجاب قائلاً : كثيرا ما تكون نفوسكم ميداناً تسير فيه عقولكم ومدارككم حربا عواناً على اهوائكم
وشهواتكم و إنني أود أم أكون صانع سلام في نفوسكم
فأحول ما فيكم من تنافر و خصام إلى وحدة و سلام و لكن أنى يكون لي ذلك إذا لم تصيروا
أنتم صانعي سلام لنفوسكم ومحبين جميع عناصركم على السواء
إن العقل و الهوى هما سكان* ( * دفة السفينة ) النفس و شراعها وهي سائرة في بحر العالم فإذا
انكسر السكان أو تمزق الشراع فإن سفينة النفس
لا تستطيع أن تتابع سيرها بل ترغم على ملاطمة الأمواج يمنة و يسرة حتى تقذف بكم إلى مكان
أمين تحتفطون به في وسط البحر
لأن العقل اذا استقل بالسلطان على الجسد قيد أهواءه و لكن الاهواء إذا لم يرافقها العقل كانت
لهيباً يتأجج ليفني نفسه
فاجعل نفسك تسمو بعقلك إلى مستوى أهوائك و حينئذ ترى منها ما يطربك و يشرح لك صدرك
وليكن لك من عقلك دليل و قائد لأهوائك لكي تعيش أهواؤك في كل يوم بعد موتها و تنهض كالعنقاء
متسامية فوق رمادها
و أرغب إليكم أن تعنوا بالعقل و الهوى عنايتكم بطيفين عزيزين عليكم فإنكم ولا شك لا تكرمون الواحد
أكثر من الثاني لأن الذي يعتني
بالواحد و يهمل الآخر يخسر محبة الاثنين و ثقتهما
و إذا جلستم في ظلال الحور الوارفة بين التلال الجميلة تشاطرون الحقول و المروج البعيدة سلامها
و سكينتها و صفائها فقولوا حينئذ في أعماق
قلوبكم متهيبين خاشعين : إن الله يتحرك في الاهواء
وما دمتم نسمة من روح الله وورقة في حرجه فأنتم أيضا يجب أن تستريحوا في العقل
و تتحركوا في الأهواء
Author: Kahlil Gibran