و لا أجد فيما اجتمع عندي من القصص و الأمثلة قصة هي أكثر إبهاراً من قصة جرير ابن عبد الله رضي الله عنه، [....] و اختصارها أن جريراً رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاث مائة درهم، و جاء به و بصاحبه لينقده الثمن. فلما اطلع جرير على الفرس رأى أنه يستحق أكثر من ثلاث مائة درهم، فقال للرجل: فرسك هذا خير من ثلاث مائة درهم، أتبيعه بأربع مائة درهم؟ فقال الرجل: أجل، قال جرير، و الله إنه لخير من أربع مائة، أتبيعه بخمس مائة؟... و لم يزل جرير بالرجل يزيده مائة بعد مائة إلى أن بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه منه. فقيل لجرير في ذلك: فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على النصح لكل مسلم. ففي هذه القصة العجيبة دليل على أن معنى النفع المتحقق للإنسان من العلاقة لا ينحصر في الإسلام على النفع الدنيوي و إلا لاعتبرنا هذه العلاقة في هذه القصة من علاقات (أخسر أنا و يربح الآخرون) و لكنها في المفهوم الإسلامي من صميم (أربح أنا و يربح الآخرون.) و بالمناسبة، فالقصة أيضاً دالة دلالة عظيمة على عادة المبادرة. فهذه الشخصية العظيمة قدمت مبادئها و قيمها و مراقبتها لله تعالى و احترامها للعهد الذي أخذته على نفسها أمام النبي صلى الله عليه و سلم على المنفعة الذاتية الوقتية، و بذلك تجلت فيها القمة من المبادرة في أسمى معانيها و أروع تطبيقاتها. كما أن فيها تطبيقاً للعادة الثانية حيث قدم جرير رضي الله عنه المهم في نظره (و هو نفع أخيه المسلم و عدم غشه و المحافظة على العهد بالنصيحة لكل مسلم) على العاجل الملح الأقل أهمية (و هو الاكتساب من هذه الصفقة.)

و بهذا ترى أن موقفاً واحداً يمكن أن يكون فيه إبراز للعادات الثلاث معاً مما يبرهن على عظيم تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة على مبادئ النجاح و الفاعلية بشكل عملي و مؤثر، و يدل أيضاً على أن هذه العادات السبع هي فعلاً منظومة فكرية و عملية مترابطة.

Author: أيمن أسعد عبده

و لا أجد فيما اجتمع عندي من القصص و الأمثلة قصة هي أكثر إبهاراً من قصة جرير ابن عبد الله رضي الله عنه، [....] و اختصارها أن جريراً رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاث مائة درهم، و جاء به و بصاحبه لينقده الثمن. فلما اطلع جرير على الفرس رأى أنه يستحق أكثر من ثلاث مائة درهم، فقال للرجل: فرسك هذا خير من ثلاث مائة درهم، أتبيعه بأربع مائة درهم؟ فقال الرجل: أجل، قال جرير، و الله إنه لخير من أربع مائة، أتبيعه بخمس مائة؟... و لم يزل جرير بالرجل يزيده مائة بعد مائة إلى أن بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه منه. فقيل لجرير في ذلك: فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على النصح لكل مسلم. ففي هذه القصة العجيبة دليل على أن معنى النفع المتحقق للإنسان من العلاقة لا ينحصر في الإسلام على النفع الدنيوي و إلا لاعتبرنا هذه العلاقة في هذه القصة من علاقات (أخسر أنا و يربح الآخرون) و لكنها في المفهوم الإسلامي من صميم (أربح أنا و يربح الآخرون.) و بالمناسبة، فالقصة أيضاً دالة دلالة عظيمة على عادة المبادرة. فهذه الشخصية العظيمة قدمت مبادئها و قيمها و مراقبتها لله تعالى و احترامها للعهد الذي أخذته على نفسها أمام النبي صلى الله عليه و سلم على المنفعة الذاتية الوقتية، و بذلك تجلت فيها القمة من المبادرة في أسمى معانيها و أروع تطبيقاتها. كما أن فيها تطبيقاً للعادة الثانية حيث قدم جرير رضي الله عنه المهم في نظره (و هو نفع أخيه المسلم و عدم غشه و المحافظة على العهد بالنصيحة لكل مسلم) على العاجل الملح الأقل أهمية (و هو الاكتساب من هذه الصفقة.)<br /><br />و بهذا ترى أن موقفاً واحداً يمكن أن يكون فيه إبراز للعادات الثلاث معاً مما يبرهن على عظيم تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة على مبادئ النجاح و الفاعلية بشكل عملي و مؤثر، و يدل أيضاً على أن هذه العادات السبع هي فعلاً منظومة فكرية و عملية مترابطة. - أيمن أسعد عبده




©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab