يعيش الكائن البشرى بشكل متوسط حوالى ثمانين عاما. وبحساب هذه المذة يتصور كل شخصه حياته و ينظمها. ما قلته الآن يعرفه الجميع، لكن قليلا ما ننتبه إلى أن هذا الرقم الذى حدد لما ليس مجرد معلومة كمية و لا خارجية بشكل خاص (مثل طول الأنف أو لون العينين)، بل يشكل جزءا من تعريف الإنسان نفسه. إن ذاك الذى يستطيع أن يعيش بكامل قواه، زمنا مضاعفا، لنقل مئة و ستين عاما لن ينتمى إلى نوعنا نفسه. لن يبقى شئ كما كان فى حياته، لا الحب، لا الطموحات، لا شئ. إذا عاد المهاجر بعد عشرين عاما من العيش فى الغربة إلى بلده الأصلي و أمامه مئة عام آخر، فإنه لن يشعر بلهفة العودة الكبرى، و ربما لن تكون بالنسبة إليه عودة، بل مجرد جولة من جولات كثيرة يقوم بها على امتداد مجرى حياته.
لأن فكرة الوطن ذاتها، بالمعنى النبيل و العاطفي للكلمة، مرتبطة بحياتنا القصيرة نسبيا، و التى تمنحنا وقتا أقصر كى نتمكن من التعلق ببلد آخر، بلدان آخرى، ولغات أخرى

Author: ميلان كونديرا

يعيش الكائن البشرى بشكل متوسط حوالى ثمانين عاما. وبحساب هذه المذة يتصور كل شخصه حياته و ينظمها. ما قلته الآن يعرفه الجميع، لكن قليلا ما ننتبه إلى أن هذا الرقم الذى حدد لما ليس مجرد معلومة كمية و لا خارجية بشكل خاص (مثل طول الأنف أو لون العينين)، بل يشكل جزءا من تعريف الإنسان نفسه. إن ذاك الذى يستطيع أن يعيش بكامل قواه، زمنا مضاعفا، لنقل مئة و ستين عاما لن ينتمى إلى نوعنا نفسه. لن يبقى شئ كما كان فى حياته، لا الحب، لا الطموحات، لا شئ. إذا عاد المهاجر بعد عشرين عاما من العيش فى الغربة إلى بلده الأصلي و أمامه مئة عام آخر، فإنه لن يشعر بلهفة العودة الكبرى، و ربما لن تكون بالنسبة إليه عودة، بل مجرد جولة من جولات كثيرة يقوم بها على امتداد مجرى حياته.<br />لأن فكرة الوطن ذاتها، بالمعنى النبيل و العاطفي للكلمة، مرتبطة بحياتنا القصيرة نسبيا، و التى تمنحنا وقتا أقصر كى نتمكن من التعلق ببلد آخر، بلدان آخرى، ولغات أخرى - ميلان كونديرا




©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab