وتبقى الأسطورة قائمة في عالم الدين وفي عالم السياسة, وفي درجات مختلفة من الوعي الإنساني. فالأسطورة باعتبارها وحدة بين المادة والشعور, وميلاً الى تفسير الشيء بواسطة سرد حكاية نشوئه على أنها حكاية ذات مغزى, تبقى قائمة في المجالين المنفصلين. وهي تُستثمر وتُستخدم أداة من جانب الأيدولوجيات العلمانية والدينية على حد سواء. فالأيديولوجيا, علمانية أكانت أم دينية, ليست نقيض الأسطورة. نقيض الأسطورة هو التفسير العلمي, أو للدقة, الشك والريبية العلمية في التفسير العلمي للظواهر. ولا يقوم أي نوع من أنواع الإيديولوجية بهذا الدور المفكك للأسطورة, حتى لو كانت أيديولوجيا علمانية معادية للدين. فهي تقدم أساطير بديلة, لكنها تفكك الأساطير بقدر ما تستخدم الأدوات العلمية في السعي إلى تحقيق أهدافها. وتشكل ايديولوجيات علمانية كثيرة أرضاً خصبة, ودفيئات حاضنة للأساطير القديمة التي تعيد إحياءها وتصبغها بلونها الأيديولوجي, لتأليف أساطير جديدة.
Auteur: عزمي بشارة