كنا في الماضي نفهم الحصانة الفكرية على أنها المحافظة على مالدينا، وإغلاق كل المنافذ والأبواب التي قد يدخل منها ما يخالف أو يعكّر ما نعتقد أنه أثمن شيء لدينا، وهو مبادئنا وأصولنا. وهذا في أساسه ليس خطأ. لكن كثيرًا ما كنا نتوسع في هذا الشأن حتى طال الحجز والمنع النقد للفرعيات والخلافيات والسياسات والاجتهادات، وصار هناك في الساحة الإسلامية نوع من المزايدة في هذا الشأن. فكلما مال المرء إلى التشدد مع المخالفين دلَّ ذلك على غيرته وصلابة دينه، وزاد -مع ذلك- الوثوق به والرجوع إليه. إن الثوابت يجب أن تظل مصونة وواضحة، ويجب أن نتخذ منها محاور للتربية الاجتماعية. أما ماهو من قبيل الاجتهاد، وماهو من قبيل الخبرة البشرية في تنظيم الحياة وإدارة المشكلات، وماهو من قبيل الأساليب والأدوات، فينبغي أن تتعرض (باستمرار) للنقد والمراجعة والغربلة؛ وإلا وجدنا أنفسنا ندفع نحو الهامش باستمرار.
Auteur: عبدالكريم بكار