القاعدة الثانية أن كل الخطابات تتساوى من حيث هى خطابات , وليس من حق واحد منها أن يزعم امتلاكه للحقيقة , لأنه حين يفعل ذلك يحكم على نفسه بأنه خطاب " زائف " .
قد يتمتع خطاب ما فى سياق سياسى اجتماعى تاريخى بعينه بالذيوع و الانتشار , الذى يؤدى إلى سيطرته و هيمنته على الخطابات الأخرى فيقوم بتهميشها و إلقائها خارج دائرة الضوء و بؤرة الاهتمام . لكن تاريخ الثقافة فى كل المجتمعات الإنسانية يعلمنا أن هذه السيطرة و الهيمنة لخطاب بعينه كانت تتم من خلال عوامل القهر السياسى و الإذعان الاجتماعى و تزييف الوعى فى أحسن الأحوال .
لذلك يبرأ منهج تحليل الخطاب هنا - قدر الإمكان - من الاستسلام لأوهام اليافطات المستقرة - تراثياً و إعلامياً - لوصف بعض الخطابات وصفاً يستهدف وضعها فى قلب " الدين " ذاته .
هذا بالإضافة إلى أن " الدين " ذاته ليس إلا مجموعة من النصوص التى تتحدد دلالتها - بدورها - بالسياق , و ذلك بوصفها " خطاباً " .. و كون الخطاب إلهياً - من حيث المصدر - لا يعنى عدم قابليته للتحليل بما هو خطاب إلهى تجسّد فى اللغة الإنسانية بكل إشكاليات سياقها الاجتماعى و الثقافى و التاريخى
Auteur: نصر حامد أبو زيد