و لقد أختبرت الطرق الكلامية، و المناهج الفلسفية، فما رأيت فائدة تساوى الفائدة التى وجدتها فى القرآن العظيم، لأنه يسعى فى تسليم العظمة و الجلال بالكلية لله تعالى، و يمنع عن التعمق فى إيراد المعارضات و المناقضات. و ما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشى و تضمحل فى تلك المضايق العميقة، و المناهج الخفية فلهذا أقول، كلما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده و وحدته وبرائته عن الشركاء فى القدم و الأزلية، و التدبير و الفعالية، فذاك هو الذى أقول به و ألقى الله تعالى به. و أما ما انتهى الأمر فيه إلىّ بالدقة و الغموض، فكل ما ورد فى القرآن و الأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحد، فهو كما هو. و الذى لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين إنى أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين، فلك ما مر به قلمى أو خطر ببالى فأستشهد علمك. و أقول: إن علمت منى أنى أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بى ما أنا أهله، و إن علمت أنى سعيت إلا فى تقرير ما أعتقدت أنه هو الحق، و تصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدى لا مع حاصلى. فذاك جهد المقل
فخر الدين الرازيواعلم أن العامة يحمدونه على إيصال اللذات الجسمانية، والخواص يحمدونه على إيصال اللذات الروحانية، والمقربون يحمدونه لأنه هو لا لشيء غيره.
فخر الدين الرازيلقد تأملتُ الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتُها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيتُ أقرب الطرق طريقة القرآن، ومن جرّب مثل تجربتي؛ عرف مثل معرفتي.
فخر الدين الرازيواعلم أن كونه تعالى مفزع الخلق إنما ذاك لأجل أن الموجودات على قسمين واجبة لذواتها أو ممكنة، أما الواجب لذاته فهو الحق سبحانه وتعالى لا غير.
لأنه لو فرض شيئان كل واحد منهما واجب لذاته لاشتركا في الوجوب ولتباينا بالتعين، وما به المشاركة عين ما به المباينة، فيقع التركيب في ذات كل واحد منهما، وكل مركب فإنه مفتقر إلى إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته، فلو كان واجب الوجود أكثر من واحد لكان كل واحد منهما ممكناً لذاته، وذلك محال.
فثبت أن واجب الوجود لذاته واحد، وكل ما سوى ذلك الواحد ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فهو محتاج؛ فإذاً ما سوى الحق سبحانه وتعالى فهو محتاج إلى الحق سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته، وفي جميع إضافاته.
وإذا عرفت ذلك ظهر لك أنه سبحانه وتعالى مفزع الحاجات ومن عنده نيل الطلبات.
واعلم أن القيمة في القيامة بقدر الاستقامة، والشرك قسمان: ظاهر وخفي.
أما الظاهر فهو المراد بقوله تعالى (فلا تجلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون).
وأما الخفي فهو طاعة النفس كقوله ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)، وهوالمراد بقول الخليل ( ربنا واجعلنا لك مسلمين) وقوله ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) وقول يوسف عليه السلام (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)، فإن الأنبياء عليهم السلام مبرأون عن الشرك الظاهر.
واعلم أن من عرف أن المقدم والمؤخر هو الله لم يكن له أمان بسبب كثرة الطاعات، ولا يأس بسبب كثرة المعاصي والسيئات، فرب إنسان كان في الظاهر من المطرودين ثم ظهر أنه كان من المقربين وبالعكس.
فخر الدين الرازيفأشرف الأشياء محمد صلى الله عليه وسلم، وبعده درجات أولي العزم، وبعدهم سائر الأنبياء، وبعدهم الأولياء، ودرجاتهم متأخرة على الإطلاق عن درجات الأنبياء، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمر: (هذان سيدا كهول أهل الجنة ماخلا النبيين والمرسلين، فهذا يقتضي تفضيلهما على سائر الأولياء، وقوله :(ماخلا النبيين) يقتضي أن لا يكون أحد أفضل من الأنبياء، وإذا كان ذلك لزم القطعبأن كل الأنبياء أفضل من كل الأولياء.
فخر الدين الرازيPagina 1 di 1.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.