حين بدأت ملامح تمايز الكيان السياسي تبرز داخل هذه الوحدة, ووعيه لذاته في الصراع على السلطة, وهو الصراع الذي أحيا عصبيات قديمة حصلت الازدواجية التي ما زالت ترافق التفكير بالدولة في المجتمعات الإسلامية حتى يومنا. ظهرت الدولة من دون دين باعتبارها سلطاناً مستبداً, مجرداً, وخاوياً من الأخلاق. ومقارنة مع حالة الانسجام الديني السياسي في تصورات المرحلة الراشدة باعتبارها مرحلة من العدل الإلهي, كان التفسير الأقرب إلى استبدادية الدولة هو حالة تجردها من الدين. من هنا بدت العدالة حالة استثناء, ونوعا من العجيبة والمكرمة, أو حالة تميز الحاكم المؤمن فعلا, وبدا الدين إما مسخراً في خدمة الدولة وفي تبريرها, أو منكفئاً عن الدولة والمجتمع إلى الروحانيات, أو إلى الحياة الخاصة. هذه الازدواجية هي التي دفعت باستمرار إلى التوق إلى تلك الوحدة الأصلية. هذا الحنين هو المُشكل الاساسي لليوتوبيا في الذهن الإسلامي. من هنا ينبع كثير من المفاهيم السياسية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
Autore: عزمي بشارة