عشق العزلة
تشيزاري بافيزي(1908-1950)
أتناولُ عشاءاً خفيفاً بجانب النافذة المضيئة.
الغرفة مظلمة الآن، والنجوم بدأت تسطع في السماء .
في الخارج، تؤدي الدروب الهادئة ،
بعد مسافة قصيرة، إلى الحقول الفسيحة.
أتناولُ طعامي، أرقبُ السماء — من يعلمْ
كم من النساء يأكلنَ الآن. جسدي خامد:
يبلّد العمل كل الأحاسيس، ويبلّد النساء أيضاً.

في الخارج، بعد العشاء، ستطلع النجوم لتوافي
سهل الأرض الواسع. النجوم حيّةً،
لكنها لا تساوي هذه الكرزات، التي آكلها وحيدا.
أنظر إلى السماء، عارفا بأنّ هذه الأضواء تشع الآن
عبر الأسطح الصدئة الحمراء، وضجيج الساكنين تحتها.
رشفة من شرابي، ويستطيع جسدي أن يعرف طعم حياة
النباتات و الأنهار. إنه يشعر بانفصاله عن الأشياء.
جرعة صغيرة من الصمت تكفي، وكل شيء ما زال،
في مكانه الصحيح، تماماً كما جسدي في مكانه.

كل الأشياء تصبح جزراً في حضرةِ حواسي،
التي تتقبلهم بطبيعة الحال: همهمة الصمت.
كل الأشياء في هذا الظلام — أستطيع أن أعرفها،
تماماً كما أعرف بأن الدمّ يجري في عروقي.
السهل تدفق المياه العظيم متخللاً الغراس،
قوت كل الأشياء. كلّ نبتة، وكلّ حجر،
يحيا بصمتٍ. أسمع طعامي يغذي عروقي
بكل ما يقدمه هذا السهل، بكل شيء حي.
الليل ليسَ ذو شأن. رقعةُ السماء المربعة
تهمسُ لي كل ضجيجٍ صاخبٍ، ونجم صغير
يشقُّ طريقه في الفراغ، بعيداً عن كلّ قوت،
عن كلِّ البيوت، غريباً. غير مكتفٍ بذاته،
يحتاجُ إلى الكثير من الصُّحبة هنا في الظلام، وحده،
جسدي خامدٌ، يشعر بأنّه مسؤول.

Autore: Cesare Pavese

عشق العزلة<br />تشيزاري بافيزي(1908-1950)<br />أتناولُ عشاءاً خفيفاً بجانب النافذة المضيئة.<br />الغرفة مظلمة الآن، والنجوم بدأت تسطع في السماء .<br />في الخارج، تؤدي الدروب الهادئة ،<br />بعد مسافة قصيرة، إلى الحقول الفسيحة.<br />أتناولُ طعامي، أرقبُ السماء — من يعلمْ<br />كم من النساء يأكلنَ الآن. جسدي خامد:<br />يبلّد العمل كل الأحاسيس، ويبلّد النساء أيضاً.<br /><br />في الخارج، بعد العشاء، ستطلع النجوم لتوافي<br />سهل الأرض الواسع. النجوم حيّةً،<br />لكنها لا تساوي هذه الكرزات، التي آكلها وحيدا.<br />أنظر إلى السماء، عارفا بأنّ هذه الأضواء تشع الآن<br />عبر الأسطح الصدئة الحمراء، وضجيج الساكنين تحتها.<br />رشفة من شرابي، ويستطيع جسدي أن يعرف طعم حياة<br />النباتات و الأنهار. إنه يشعر بانفصاله عن الأشياء.<br /> جرعة صغيرة من الصمت تكفي، وكل شيء ما زال،<br />في مكانه الصحيح، تماماً كما جسدي في مكانه.<br /><br />كل الأشياء تصبح جزراً في حضرةِ حواسي،<br />التي تتقبلهم بطبيعة الحال: همهمة الصمت.<br />كل الأشياء في هذا الظلام — أستطيع أن أعرفها،<br />تماماً كما أعرف بأن الدمّ يجري في عروقي.<br />السهل تدفق المياه العظيم متخللاً الغراس،<br /> قوت كل الأشياء. كلّ نبتة، وكلّ حجر،<br />يحيا بصمتٍ. أسمع طعامي يغذي عروقي<br />بكل ما يقدمه هذا السهل، بكل شيء حي.<br />الليل ليسَ ذو شأن. رقعةُ السماء المربعة<br />تهمسُ لي كل ضجيجٍ صاخبٍ، ونجم صغير<br />يشقُّ طريقه في الفراغ، بعيداً عن كلّ قوت،<br />عن كلِّ البيوت، غريباً. غير مكتفٍ بذاته،<br />يحتاجُ إلى الكثير من الصُّحبة هنا في الظلام، وحده،<br />جسدي خامدٌ، يشعر بأنّه مسؤول. - Cesare Pavese


©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab