رغم ما يبدو للمراقب من الانقسام الراهن للنخبة المصرية بين شرائح تتبرقع بالقداسة، وأخرى تتلفح بالحداثة، فإن نظرة أعمق على ما يرقد تحت السطح تكشف عن أن الكافة، من المتبرقعين بالقداسة والمتلفحين بالحداثة، يقفون معاً تحت مظلة ذات الخطاب الذي يتنكر للجمهور ويروم إقصاءه، فإن من راحوا يرفعون - ليلة تنحِّي مبارك - شعار «الله وحده هو الذي أسقط النظام» لا يختلفون عن أقرانهم الأسبق الذين جعلوا «محمد علي (باشا) هو باني مصر الحديثة»، وبما يُفهَم منه أن الجمهور لم يكن حاضراً كفاعل لا في الإسقاط، ولا في البناء.
- وبالطبع فإن ذلك لا يعني أن الجمهور كان غائباً بالكلية، وإنما يعني فقط أنه لم يكن حاضراً كفاعل «حقيقي» أي كذوات تفعل وتقرر لنفسها، بل كفاعل «مجازي» أي كأدوات يفعل بها غيرها، وهكذا فإنه كان على المصريين الذين دخلوا القرن التاسع عشر وهم «أدوات الباشا» التي يبني بها مصر الحديثة، أن يدخلوا القرن الحالي وهم «أدوات الله» التي أسقط بها نظام مبارك، وبما يعني أن شيئاً لم يتغير في وضعهم للآن، وفي المرتين، فإن ذلك كان يحدث، وللمفارقة، عقب ثورة كبرى يقومون بها ضد طاغية أرهقهم باستبداده وفساده، ولقد كانوا يثورون من أجل أن يكونوا «ذواتهم»، ولكن نخبتهم خذلتهم وشاءت لهم أن يكونوا «أدواتً» بأيدي غيرهم
Autore: علي مبروك