مهما كان قصر الدين على أصله النفسي مهماً لفهم الظاهرة, فإنه يشبه محاولة فهم الإنسان بقصره على أصله البيولوجي, أو بقصره على العقل.
فهذه كلها جوهرية للإنسان, لكنها لا تفسر وحدها ظاهرة الإنسان.
فإذا ما نُسب الدين عند فيورباخ إلى غريزية تدفعنا نحو السعادة, أو إلى حاجة الإنسان إلى الأمل عند كانت, وحتى عند الماركسي إرنست بلوخ والمفكر النقدي ماكس هوركهايمر, أو الى شعور داخلي بالحقيقة عند برغسون, أو إلى شعور بالغموض لا فكاك منه أو شعور بالرهبة والروعة عند رودولف أوتو. هذه كلها قد تفسر الشعور الإنساني بالمقدس, وأنه شعور أصيل في النفس البشرية, لا مجرد إيمان بخرافة, لكنها لا تشرح الظاهرة الدينية. وهي ظاهرة اجتماعية ثقافية ونفسية مركبة. من هنا, لا بد من تجربة المقدس ومن تجاوزها في الدين, كما لا بد من التمييز بين الإيمان والتديّن, كما لا بد من التمييز بين شرط ضروري للدين, والدين باعتباره ظاهرة اجتماعية محددة الاجتماعية كي يكون ما كتبه هؤلاء المنظّرون ذا قيمة فعلية.
المقدس (أكان شعوراً إنسانياً متوارثاً تقليدياً من زاوية نظر الباحث أو واقعاً حقيقياً متجاوزاً في إيمان المؤمن) هو شرط الدين الأصلي, لكن الدين يخرج عن أصله ويصبح شرط ذاته حين يتحول إلى ظاهرة اجتماعية في صلبها عقيدة يعتنقها بشر وتقوم عليها مؤسسة.
وكذلك لا تديّن من دون دين, ولا دين من دون تديّن. لكن التدين يتخذ طريقه بتشييء الإيمان, ومظهرة أو تظهير العلاقات الدينية حتى تصبح لها حياتها الخاصة, ولا نلبث أن نسمي التديّن ديناً, أي يصبح هو الدين حتى لو كان من دون ايمان. وقد يصبح "مجرد" هوية اجتماعية (شخصية فردية أو جماعية) في عصر الهُويات.

Autore: عزمي بشارة

مهما كان قصر الدين على أصله النفسي مهماً لفهم الظاهرة, فإنه يشبه محاولة فهم الإنسان بقصره على أصله البيولوجي, أو بقصره على العقل.<br />فهذه كلها جوهرية للإنسان, لكنها لا تفسر وحدها ظاهرة الإنسان.<br />فإذا ما نُسب الدين عند فيورباخ إلى غريزية تدفعنا نحو السعادة, أو إلى حاجة الإنسان إلى الأمل عند كانت, وحتى عند الماركسي إرنست بلوخ والمفكر النقدي ماكس هوركهايمر, أو الى شعور داخلي بالحقيقة عند برغسون, أو إلى شعور بالغموض لا فكاك منه أو شعور بالرهبة والروعة عند رودولف أوتو. هذه كلها قد تفسر الشعور الإنساني بالمقدس, وأنه شعور أصيل في النفس البشرية, لا مجرد إيمان بخرافة, لكنها لا تشرح الظاهرة الدينية. وهي ظاهرة اجتماعية ثقافية ونفسية مركبة. من هنا, لا بد من تجربة المقدس ومن تجاوزها في الدين, كما لا بد من التمييز بين الإيمان والتديّن, كما لا بد من التمييز بين شرط ضروري للدين, والدين باعتباره ظاهرة اجتماعية محددة الاجتماعية كي يكون ما كتبه هؤلاء المنظّرون ذا قيمة فعلية.<br />المقدس (أكان شعوراً إنسانياً متوارثاً تقليدياً من زاوية نظر الباحث أو واقعاً حقيقياً متجاوزاً في إيمان المؤمن) هو شرط الدين الأصلي, لكن الدين يخرج عن أصله ويصبح شرط ذاته حين يتحول إلى ظاهرة اجتماعية في صلبها عقيدة يعتنقها بشر وتقوم عليها مؤسسة.<br />وكذلك لا تديّن من دون دين, ولا دين من دون تديّن. لكن التدين يتخذ طريقه بتشييء الإيمان, ومظهرة أو تظهير العلاقات الدينية حتى تصبح لها حياتها الخاصة, ولا نلبث أن نسمي التديّن ديناً, أي يصبح هو الدين حتى لو كان من دون ايمان. وقد يصبح "مجرد" هوية اجتماعية (شخصية فردية أو جماعية) في عصر الهُويات. - عزمي بشارة




©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab