الفارق بين الكينونة والتملك ليس بالضرورة هو الفارق بين الشرق والغرب, ولكنه الفارق بين مجتمع محوره الأساسي الناس وآخر محوره الأساسي الأشياء.
إريك فرومالإنسان "العصري" اصبح عاجزا عن تفهم روح مجتمع لا يتمحور حول الملكية والجشع.
إريك فرومإن الايمان, في نمط التملك, ليس إلا عكازة يتوكأ عليها من ينشد اليقين, من يريد أن يعرف للحياة معنى, ولكن دون أن تكون لديه الجرأة على البحث بنفسه.
إريك فرومالاستهلاك هو أحد أشكال التملك, وربما هو أكثرها أهمية في مجتمعات الوفرة الصناعية المعاصرة, والاستهلاك عملية لها سمات متناقضة: فالاستهلاك عملية تخفف القلق لأن ما يمتلكه الإنسان خلالها لا يمكن انتزاعه, ولكن العملية تدفع الإنسان إلى مزيد من الاستهلاك, لأن كل استهلاك سابق سرعان ما يفقد تأثيره الاشباعي, وهكذا فإن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية:
انا موجود بقدر ما أملك وما استهلك.
تبدأ المعرفة بالوعي بمدى خديعة مداركنا وحواسنا إيانا, بمعنى أن الصورة التي لدينا عن الحقيقة المادية لا تتفق تماما مع الحقيقة الحقيقية. ذلك أن أغلبية الناس أنصاف أيقاظ-أنصاف حالمين. وأنهم على غير وعي بأن ما يرونه حقيقة وأمورا واضحة لا تحتاج لإثبات ليست إلا اوهاما من صنع ايحاءات البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها. وتبدأ المعرفة اذا بتبديد الوهم. والمعرفة تعني رؤية الحقيقة عارية, تعني النفاذ تحت السطح والسعي, الإيجابي النشيط والنقدي, للاقتراب من الحقيقة دائما.
إريك فرومفي نمط الكينونة, لا يكون الإيمان -في المقام الأول- مجرد إيمان بأفكار معينة وإن كان من الممكن أن يتضمن هذا أيضا, إنما الإيمان- في المقام الأول- هو توجه داخلي, موقف, ولعله من الأنسب أن يقال إن شخصا ما في حالة الإيمان, على أن يقال إنه يملك إيمانا,يمكن ان الشخص في حالة ايمان بنفسه وبالأخرين, والمتدين في حالة إيمان بالله, والله في العهد القديم هو بالدرجة الأولى نفي للأصنام للآلهة التي كان الناس يملكونها.
وإيماني بنفسي وبالأخرين وبالجنس البشري يتضمن ايضا نوعا من اليقين, ولكنه يقين اساسه تجربتي الذاتية, وليس خضوعي لسلطة تملي عليّ نمطا معينا من الإيمان. إنه يقين الحقيقة التي قد يستحيل إثباتها بأدلة عقلية ملزمة, ومع ذلك فهي الحقيقة التي أنا على يقين منها لأن ثمة أدلة عليها من تجربتي الذاتية.
إذا كنت على يقين من أن شخصا ما تتوافر فيه صفات التكامل الإنساني فإنني لا استطيع أن اقيم الدليل على أن تكامله يمكن ان يستمر لآخر يوم في حياته.
وحتى لو حدث, فليس ثمة ما يستبعد احتمال اختلال التكامل لو امتدت الحياة به, إن يقين يقوم على معرفتي بالشخص الآخر, وعلى تجربتي الشخصية في الحب والتكامل الإنساني, وهذا النوع من المعرفة لا استطيع التوصل اليه إلا بقدر ما استطيع تنحية ذاتيتي ورؤية شخصية الإنسان الآخر كما هي, واستجلاء بناء قواه الداخلية, رؤيته في تفرده كما في انسانيته الشاملة في الوقت نفسه.
في نمط التملك لا توجد علاقة حية بيني وبين ما أملك, فأنا وما أملك اصبحنا جميعا أشياء, وأنا أملكها لأن لدي القوة التي تمكنني من جعلها ملكي, ولكن ثمة علاقة عكسية أيضا, فهي أيضا تملكني لأن إحساسي بهويتي, أي احساسي بصحتي العقلية, يتوقف على ملكيتي لها ولأكبر عدد ممكن من الأشياء. إن نمط الملكية لا يقوم على صيرورة حية ومثمرة بين الذات والموضوع, وانما هي علاقة تجعل من الذات والموضوع اشياء والعلاقة بينهما علاقة موات, وليست علاقة حياة.
إريك فرومإن اسلوب العيش التملكي اي السلوك الذي يتركز حول الملكية والربح, لا بد من أن يخلق الرغبة, بل الحاجة الى القوة, فمن اجل السيطرة على كائنات بشرية اخرى نحن بحاجة الى استخدام القوة لتحطيم مقاومتهم, ولاحكام قبضتنا على ما نملك من ممتلكات خاصة, نحن بحاجة لاستخادم القوة لحمايتها من اولئك الذين يمكن أن يأخذوها منا, لانهم مثلنا لا يمكن ان يقتنعوا بما عندهم, الرغبة في الحصول على الملكية الخاصة تولد الرغبة في استخدام العنف من اجل سرقة الآخرين بوسائل سافرة او خفية.
وتكمن سعادة الشخص في السلوب التملك في تفوقه على الآخرين, وفي قوته, وهي -في التحليل الآخير- تكمن في قدرته على أن يغزو ويسرق ويقتل. أما في اسلوب الكينونة فإن السعادة هي المحبة والمشاركة والعطاء.
الشخص الحذر الاقتنائي يشعر بالأمان, غير انه بالضرورة يعيش في خطر كبير, فهو يعتمد في وجوده على ما يملك من مال ومكانة وحيثية, اي على شيء خارجه, فما الذي يبقى منه إن هو فقد ما يملك ؟ ذلك أن كل ما يملكه الإنسان أو يقتنيه يمكن أن يفقده. وغني عن الذكر أن الشخص إذا فقد ممتلكاته فإنه يفقد ايضا مكانته واصدقائه, كذلك يمكن في اي لحظة, طال الزمن ام قصر, ان يفقد حياته ذاتها.
إذا كنت انا هو ما املك, ثم فقدت ما املك, فمن اكون ؟ لن يبقى سوى شاهد مهزوم متضائل مثير للشفقة .. شاهد على اسلوب حياة خاطئ. فحيث إني يمكن أن افقد ما املك فأنا بالضرورة في قلق وخوف دائمين من امكان حدوث هذا, انا في خوف من اللصوص والتقلبات الاقتصادية والثورات والامراض والموت, كذلك انا في خوف من الحب والحرية والتطور والتغير. وفي خوف من المجهول, هكذا دائما في خوف وقلق, اعاني من امراض الذعر والوسوسة المزمنة, ليس فقط من فقدان الصحة, وانما من فقدان اي شيء آخر املكه, هكذا اتحول الى كائن مشغول بالدفاع عن نفسه, موسوس وحيد تتملكني الحاجة لامتلاك مزيد من الاشياء التي انشد فيها مزيدا من الحماية.
في نمط الكينونة لا يكون التملك الخاص او الملكية الخاصة إلا أهمية وجدانية ضئيلة, حيث لا تنشأ الحاجة لامتلاك شيء لكي أستمتع به, او حتى لكي استعمله واستفيد منه, ففي نمط الكينونة يمكن لأكثر من شخص وفي الحقيقة يمكن لملايين الناس ان يشتركوا في الاستمتاع بالشيء نفسه, حيث لا توجد حاجة, كما لا يرغب أحد في امتلاكه كشرط للاستمتاع به, ولا يعني هذا منع وقوع صراغ فحسب, وانما يعني ايضا خلق اسمى شكل من اشكال السعادة الانسانية الا وهو المتعة المشتركة فليس أقدر على توجيد البشر دون النيل من ذاتيتهم من المشاركة في الاعجاب بشخص او محبته,او المشاركة في الاقتناع بفكرة, او في الطرب لاغنية او لقطعة موسيقية, او الاعجاب بصورة او رمز, او المشاركة في أداء الشعائر, او الاحساس المشترك بالأسى والحزن. إن متعة المشاركة هي التي تحتفظ بالحيوية في العلاقات بين اثنين وهي الأساس الذي قامت عليه كل الديانات وجميع الحركات السياسية والفلسفية الكبرى.
إريك فروم« erste vorherige
Seite 3 von 4.
nächste letzte »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.