ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال 30 سنة حتى يعامل هذه المعاملة ؟
أعطاهم أولاده للحروب
وعجائزه للدعاء
ونساءه للزغاريد
وكساءه لليافطات
ولقمته للمآدب والمؤتمرات
وشرفاته وموطئ قدميه للمهرجانات والخطابات .
وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية وهو النوع المتعارف عليه في أبسط الدول المتحضرة .
كل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل الدهان في يساره، ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي أمامه بينما تكون فرشاة الذي وراءه تعمل في ظهره وتلصق عليه ألف تهمة مماثلة . حتى أصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما أو لوحة الإعلانات.
محمد الماغوطيحكى أن نمراً في سيرك هندي بعد أن تقدم به العمر وأحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الأخرى لم تتركه وشأنه فراح كل مافي السيرك من قطط صغيرة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً وإياباً. وهو صامت لا يروم، تعففاً وساماً، ولكن في يوم من الأيام عندما زادو من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك. فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم . فقضى الجميع بضربة واحدة.
محمد الماغوطأيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات، استحلفكم بتحية أعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الإرهاب سنين وقروناً طويلة وها أنتم ترون إلى اين أودى بشعوبكم. جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي إسرائيل صغيرة.
محمد الماغوطكل طبخة سياسية في المنطقة أمريكا تعدها وروسيا توقد تحتها وأوروبا تبردها وإسرائل تأكلها والعرب يغسلون الصحون.
محمد الماغوطأليس من العار بعد كل هذا التطور الحضاري والعلمي الذي حققته البشرية وبعد مئات الجمعيات وآلاف المدارس التربوية والفنية والأدبية والمسرحية والفندقية التي تغطي أرض الوطن العربي أن تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس واللبط وشد الشعر؟
محمد الماغوطلم أستطع تدريب إنسان عربي واحد على صعود الباص من الخلف والنزول من الأمام فكيف بتدريبه على الثورة.
محمد الماغوطفحتى لو رأيت المشيعين والموقعين بأم عيني يمسحون حبر التواقيع عن بصماتهم بالجدران وثياب المارة.
ولو انتشرت سياط التعذيب على حدود الوطن العربي كحبال الغسيل.
وعلقت المعتقلات في زوايا الشوارع والمنعطفات كصناديق البريد.
وسالت دمائي ودموعي من مجارير الأمم المتحدة.
فلن أنسى ذرة من تراب فلسطين، أو حرفاً من حروفها، لا لأسباب نضالية ووطنية وتاريخية بل لأسباب لاتزال سراً من أسرار هذا الكون كإخفاقات الحب الأول! كبكاء الاطفال الرضع عند الغروب.
لقد رتبت حياتي وكتبي وسريري وحقائبي منذ أيام الطفولة حتى الآن، على هذا الأساس. فكيف أتخلى عن كل شيء مقابل لا شيء. ثم إنني لم أغفر ضربة سوط من أجل الكونغو .. فكيف من أجل فلسطين؟
ولذلك سأدافع عن حقدي وغضبي ودموعي بالأسنان والمخالب.
سأجوع عن كل فقير،
وسأسجن عن كل ثائر،
وأتوسل عن كل مظلوم،
وأهرب إلى الجبال عن كل مطارد،
وأنام في الشوارع عن كل غريب . .
لأن إسرائيل لا تخاف ضحكاتنا بل دموعنا.
وقد يكون هذا زمن التشييع والتطبيع والتركيع، زمن الأرقام لا الاوهام والأحلام ولكنه ليس زماني. سأمحو ركبتي بالممحاة، سآكلهما حتى لا أجثو لعصر أو تيار أو مرحلة. ثم أنا الذي لم أركع وأنا في الابتدائية أمام جدار من أجل جدول الضرب وأنا على خطأ. فهل أركع أمام العالم أجمع بعد هذه السنين وأنا على حق؟
إذا كان لكل من القوى والأحزاب والطوائف والميليشيات المسلحة في لبنان خط أحمر أو أخضر أو اصفر تنسحب إليه عند الضرورة فالمواطن العربي العادي إلى أين ينسحب. وليس في وطنه سوى خط تلفون ومقطوع أيضاً؟
محمد الماغوطلم تعد الشعوب بحاجة إلى أسئلة وأجوبة. فكل شيء بات واضحاً أمامها الآن. ولا عدو لها سوى أمريكا وحلفائها في العالم أجمع وإلى اللقاء على أشلائهم جميعاً
محمد الماغوط« erste vorherige
Seite 2 von 16.
nächste letzte »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.