و انا أستعرض كل هذه الظروف التي تقود شبان العالم الإسلامي إلى الانخراط في الحركات الدينية ينتابني شعور بانزعاج عميق. يتأتى من أنني أشعر بنفسي عاجزاً، في الصراع الدائر بين الإسلاميين و القادة الذين يحاربونهم، عن التماهي مع أحد هذين المعسكرين. فأنا منيع على الخطاب الإسلامي الأصولي ليس فقط لأنني أشعر أنه لا يعنيني كوني مسيحياً، و لكن لأنني لا أستطيع أن أقبل أن يفرض فريق ديني، و لو كان أكثرياً، شريعته على مجمل الناس. فأنا أرى أن استبداد الأكثرية ليس أفضل من سلطة الأقلية من الناحية الأخلاقية
أمين معلوفالسؤال هو في أن نعرف لماذا بدأت كل الحضارات الأخرى بالتراجع عندما تقدمت الحضارة الأوروبية المسيحية، و لماذا تم تهميشها كلها بصورة تبدو اليوم نهائية؟
أمين معلوفأليست فضيلة القومية الأولى أنها تجد لكل مسألة مذنباً بدلاً من حل؟
أمين معلوفStichwörter: القومية
الأصولية ليست الخيار العفوي و لا الخيار الطبيعي أو الفوري للعرب أو المسلمين. قبل أن يغويهم هذا الطريق كان لابد من انسداد كل الطرق الأخرى.
أمين معلوفإن كنت أذكر آراء القوميين العرب أو الأتراك فليس لمناقشتها و إنما لجذب الانتباه إلى حقيقة منسية غالباً، و هو أن الرد العفوي للعالم الإسلامي على القضية التي طرَحَتها ضرورة التحديث لم يكن الأصولية الدينية. فقد بقيت هذه الأخيرة لفترة طويلة جداً موقفاً غاية في الأقلية، موقف زمر قليلة، هامشياً حتى لا نقول تافهاً. لم يُحكم العالم الإسلامي المتوسطي باسم الدين و إنما باسم القومية. فالقوميون هم الذين أوصلوا البلاد إلى الاستقلال، لقد كانوا آباء الوطن، و هم الذين أمسكوا فيما بعد بزمام الأمور لمدة عقود، و إليهم اتجهت الأنظار بترقب و أمل. لم يكونوا جميعهم علمانيين منفتحين و عصريين كأتاتورك، لكنهم ما كانوا يستندون أبداً إلى الدين الذي وضعوه بشكل ما بين قوسين.
كان عبدالناصر أبرز هؤلاء القادة؟ أقلت أبرزهم؟ إنها تلميحة مسطحة. إذ يصعب أن نتخيل اليوم ما كان للرئيس المصري من نفوذ ابتداء من العام 1956 .... كان عبدالناصر بالنسبة للناس مثالاً و قداسة. عبثاً بحثت في التاريخ الحديث عن ظواهر مشابهة فلم أجد أياً منها. لا يوجد ظاهرة شملت هذا العدد من الدول في الوقت ذاته و بمثل هذه الشدة .. فيما يتعلق بالعالم العربي الإسلامي لم يحدث ما يشبه هذه الظاهرة أبدً و لو من بعيد.
و الحال أن هذا الرجل الذي حمل أكثر من أي رجل آخر تطلعات العرب و المسلمين، كان عدواً لدوداً للإسلاميين. فقد حاولوا اغتياله و قام هو بإعدام عددً من قادتهم. إضافة إلى أنني أذكر، في ذلك الوقت، أن المنتسب لحركة إسلامية كان يُعتبر من قِبل رجل الشارع عدواً للأمة العربية و عميلاً للغرب في أغلب الأحيان.
تطلب الأمر أن يصل القادة القوميون و على رأسهم عبدالناصر إلى طريق مسدود، سواء بفشلهم العسكري المتتالي أو عدم قدرتهم على حل المسائل المرتبطة بالنمو، قبل أن يبدأ جزء هام من الناس بلااستماع إلى خطاب الأصولية الدينية و نرى الحجب و اللحى الاحتجاجية تنتشر بدءاً من السبعينيات.
Stichwörter: الأصولية-القومية
لم يكن يوماً من السهل على عربي، و لا على هندي أو مدغشقري أو هندوصيني أو متحدر من الأزتيك، أن ينتمي كلياً، دون خلفية أو ندم أو ألم، إلى ثقافة الغرب. كان لابد من تجاوز الكثير من المخاوف و المآخذ و الحط من الكرامة أحياناً و تخيل التسويات الدقيقة، و سرعان ما لم يعد ممكناً التساؤل ببساطة، كما في عهد محمد علي: «كيف نطور أنفسنا؟» كان لا مفر من طرح تساؤلات أكثر تعقيداً: «كيف يمكننا أن نواكب الحداثة دون أن نفقد هويتنا؟» «كيف نتمثل الثقافة الغربية دون أن نتنكر لثقافتنا الخاصة؟» «كيف نكتسب مهارة الغرب دون أن نبقى تحت رحمته؟»
أمين معلوفStichwörter: العولمة
نعم، في كل خطوة في الحياة نصادف إحباطاً و خيبة و إهانة. فكيف لا تصبح شخصيتنا ممزقة؟ و كيف لا نشعر بهويتنا مهددة؟ كيف لا نشعر بأننا نعيش في عالم يمتلكه الآخرون و يخضع لقواعد يمليها الآخرون.
أمين معلوفStichwörter: الهوية
حرى بنا أن نتخيل الشعور الذي عانته مختلف الشعوب غير الغربية التي يرافق كل خطوة من خطواتها شعور بالاستسلام و التنكر للذات منذ أجيال عديدة.
أمين معلوفStichwörter: الهوية
يوجد في كل العصور أناس يعتبرون أن هناك انتماءً واحداً مسيطراً ، يفوق كل الإنتماءات الأخرى وفي كل الظروف إلى درجة أنه يحق لنا أن ندعوه ( هوية ) . هذا الإنتماء هو الوطن بالنسبة لبعضهم أو الدين بالنسبة لبعضهم الآخر ، ولكن يكفي أنْ نجول بنظرنا على
مختلف الصراعات التي تدور حول العالم لننتبه إلى أن أي انتماءٍ ، لا يسود بشكل مطلق .فحين يشعر الناس أنهم مهددون في عقيدتهم يبدو أن الإنتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها . لكن لو كانت لغتهم الأم ومجموعتهم الإثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد أخوتهم في الدين ، فالأتراك والأكراد كلاهما مسلم ولكنهما يختلفان في اللغة . ألا يدور بينهما صراع دموي ؟ والهوتو كالتوتسي كلاهما كاثوليكي ، ويتكلمان اللغة ذاتها ، هل منهما ذلك من التذابح ؟ وكذلك التشيكيون واليوغسلافيون كاثوليكيون أيضاً ، فهل سهل ذلك العيش المشترك ؟
أسوق كل هذه الأمثلة لأشدد على حقيقة أنه في حال وجود نوع من التراتبية بين العناصر التي تشكل هوية كل فرد ، فهي ليست ثابتة ، بل تتغير مع الزمن وتُغيِّر التصرفات بعمق.
أتحدث منذ بداية هذا الكتاب عن هويات قاتلة ولا يبدو لي أن هذه التسمية مبالغ فيها ... ذلك لأن المفهوم الذي أفضحه و الذي يختزل الهوية إلى انتماء واحد يضع الرجال في موقف متحيز و مذهبي و متعصي و متسلط ، و أحيانا انتحاري ، و يحولّهم في أغلب الاحيان إلى قتلة أو أنصار للقتلة.
إن رؤيتهم للعالم مواربة و مشوهة، فالذين ينتمون الى جماعتنا ذاتها هم أهلنا الذي نتضامن مع مصيرهم، و لكننا نسمح لأنفسنا في الوقت ذاته بأن نكون طغاة تجاههم ... إذا بدوا لنا فاترين نتنكر لهم و نرهبهم و نعاقبهم بوصفهم خونة و مارقين. أما بالنسبة للاخرين، الموجودين على الضفة الأخرى، فلا نسعى أبداً لأن نضع أنفسنا مكانهم، نمتنع عن التساؤل عما إذا كانو غير مخطئين تماماً حول هذه المسألة أو تلك، ولا نسمح لأنفسنا أن تهدأ بشكاواهم و آلامهم و المظالم التي كانو ضحيتها. ما يهم هو وجهة نظر جماعتنا فقط ، التي غالبا ما تكون وجهة نظر أكثر الناس تشدداً في الجماعة و أكثرهم ديماغوجية و سخطاً.
« erste vorherige
Seite 13 von 17.
nächste letzte »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.