المشروع الايراني ليس بالضرورة النموذج الحضاري الواجب الاحتذاء ، غير أن أهم ما فيه ينطلق من الاصرار على الانعتاق من سلطان الغرب ، و العودة إلى الذات الحقيقية . أما "متى" يمكن أن يتبلور المشروع ، و "مدى" نجاحه أو إخفاقه ، فذلك شأن آخر .
فهمي هويديو ربما كانت الإيجابية الوحيدة للصراع الذي دار بين الإسلاميين و غيرهم بعد نجاح الثورة ، أنه أسهم بطريق غير مباشر في توحيد الصف الإسلامي و استمرار تماسكه ، و لكن حسم ذلك الصراع لصالح الإسلاميين هيأ الفرصة لظهور ما كان مخفيا أو منسيا بينهم من عناصر التمايز أو التناقض ، و هو أمر ليس مستغربا في تجارب الثورات ، تبدأ بخصومها ، ثم حلفائها ، ثم تدور الدائرة على صناعها ، إلى أن يستقر الأمر لفرد أو لفريق متجانس تماما في الأهداف أو الطموح.
فهمي هويديو سيظل عسيرا على العالم العربي ، أن يستوعب مدى تعلق أعاجم المسلمين بدينهم ، ما لم يدرك حقيقة المشاعر الجياشة التي تعمل بين جنبات تلك الملايين المؤمنة . المبعثرة بين "غانه وفرغانه" بتعبير الجغرافيين العرب القدامى ، أولئك الذين تلقوا الإسلام منذ قرون ، ثم تقطعت بيننا و بينهم السبل ، بعد إذ تغيرت خرائط التاريخ و أقيمت حوائط الجغرافيا . لكنهم ظلوا قابضين على الجمر . قلوبهم تتحرق شوقا إلى وصل ما انقطع مع ديار الإسلام ، و أحلامهم العطشى - و أبصارهم - تعلقت بالعالم العربي . الذي هو عندهم منبر الإسلام و بيته ، و فيه كعبة المسلمين و قبلتهم .
فهمي هويديرابعة تلك الملاحظات أن الإيرانيين لم يكونوا على استيعاب كاف لتطورات الوضع العربي ، التي هي في مجملها أقرب إلى السلب منه إلى الإيجاب ، ذلك أنه حتى قرب نهاية الستينات كانت للجماهير العربية قيادة متمثلة في جمال عبد الناصر . و كانت قيم النضال ضد الاستعمار و الثورة لاستخلاص الحقوق مما تبناه الشارع العربي و وقف وراءه .
كان للجماهير العربية حضور ، فضلا عن أنه كانت ثمة قيادة تعبر عن ضمير تلك الجماهير و طموحتها . ابتداء من السبعينات تغيرت تلك الصورة ، غاب الرمز و غاب دور الشارع . و ظهرت خريطة من القيم السلبية الجديدة في الواقع العربي ، تتبنى الإنحياز إلى المعسكر الغبي من ناحية ، و ترفع شعارات الإقليمية و التجزئة من ناحية أخرى . و بدأت في العالم العربي مرحلة "الأنظمة" التي تعاظم دورها على حساب دور الشارع و الجماهير . هذه الظروف في مجموعها كان لها تأثيرها الضروري على القيادة الفلسطنينة . كان لابد لتلك القيادة أن تتعامل مع الواقع العربي بمتغيراته السلبية ، إذ لم تكن في موقف يسمح لها لا بتحدي هذا الواقع و لا بتغييره . و هذا ما لم تدركه القيادة الإيرانية ، و حاسبت الفلسطينيين من منطلق خاطيء تماما ، منفصل عن تلك المتغيرات في الواقع العربي .
و إذا كان الشعور بالولاء قد دفع الألوف من مسلمي الهند إلى هجرة أهلهم و ديارهم إلى أفغانستان عندما خاضت بريطانيا الحرب ضد الخلافة العثمانية ، معتبرين أن بلادهم - و هي المستعمرة البريطانية - قد صارت "دار حرب" واجبة الترك ، فإن الشعور بالانتماء دفع الإيرانيين للذهاب إلى ما هو أبعد ، إذ اعتبروا أن استمرار الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين بمثابة عدوان على ديار الإسلام . يظل رده مسئولية كل مسلم . فوقفوا دون تردد إلى قضية الثورة . و اعتبروا منذ للحظة الأولى أن مكانهم الطبيعي في الخندق الفلسطيني . واستعصى عليهم - ولا يزال - أن يفهموا غير لغة النضال المسلح ضد اسرائيل ، بقدر ما أنهم لم يتصوروا لهم مكانا خارج المربع الفلسطيني .
فهمي هويديقد كان مناخ الستينيات في إيران ذروة المواجهة مع قوى الاستعمار وأذنابه وكانت الجماهير معبأة ومشحونة وجاهزة للانفجار بعد أن تتابعت حلقات الثورة في المنطقة فقد انفجر الموقف في سوريا سنة 1949، وتزلزل عرش الشاه بعد تأميم نفط إيران على يد محمد مصدق سنة 1952 ، وقامت ثورة يوليو في مصر سنة 1952 ،وتتابعت بعدها الثورات في العراق واليمن، الشمالي والجنوبي، والجزائر وهو ما ارتبط بظهور منظمة فتح الفلسطينية ، وفي هذا المناخ قد قامت العاصفة ضد الشاه ودوّت العبارات الرافضة للنظام ولكل رموزه وممارساته
فهمي هويديما أن أطلت الخمسينيات حتى ظهرت على الساحة منظمة "فدائيان إسلام" بقيادة أحد الفقهاء الشبان وهو "نواب صفوى" معلنة الكفاح المسلح ضد الشاه وبطانته في صحيفتها الشهيرة "منشور برادري" أو نشرة الاخوة وكتابها الأساسي "بيان فدائيان إسلام" أو دليل الحقائق. في ذلك الكتاب الذي طبع سنة 1950 يقول نواب صفوي صراحة : إيران ببركة الحكومة الخائنة انتشر فيها الفقر والمرض والجهل، وهاهم أبناء الشعب يصرخون ويستغيثون ولكن الحكومة الظالمة ورجالها اللصوص لا يسمعون أصواتهم- أيها المجرمون الخونة إيران دولة إسلامية وأنتم لصوص وغاصبون للحكومة الإسلامية. ولم تكتف المنظمات بالبيانات وإنما قامت بتصفية العديد من رموز النظام جسديا
فهمي هويديشهدت بداية الستينيات اتجاه الشاه إلى اتباع سياسة تصفية العناصر والتيارات السياسية التي عارضته ووقفت بجوار الدكتور محمد مصدق في مواجهته الشهيرة للشاه وأسرته عام 1952 وتلك كانت المهمة الاساسية التي انيطت بجهاز الشرطة السرية (الساواك) الذي أنشأه الشاه عام 1953 (الكلمة اختصار لعبارة "سازمان اطلاعات وأمنيت كشور" أي منظمة المخابرات وأمن الدولة، ثم توالت الضربات المتلاحقة التي أصابت اليسار الايراني ممثلا بحزب توده المركسي. إذ تم اعتقال اعداد ضخمة من أعضائه قدرتهم مصادر الحزب بحوالي 5000 عضو، بينهم 40 اعدموا، و14 ماتو تحت التعذيب، واكثر من 200 حكم عليهم بالسجن المؤبد
فهمي هويديحاول الشاه أن يحسن من صورته امام الناس وأمام العالم الخارجي عن طريق اقامة هياكل سياسية وهمية توحي بشكل الممارسة الديموقراطية فأنشأ حزبين توأم هما : "مردم" اي الشعب، و"مليون" أي الوطنيون، وهو الذي سمي فيما بعد "إيران نوين" أي ايران الجديدة. ونصّب اثنين من رجالة على راس الحزبين، ولجأ فيما بعد سنة 1975 إلى إلغاء الحزبين واستبدالهما بحزب واحد هو "رستاخيز ملت" أي البعث الشعبي، وأعلن أن من لا ينضم إلى حزبه إما عميل أو خائن وعليه إما يغادر البلاد أو يدخل السجن، .. وهو ما أثار الجماهير ودفعها إلى السخرية المرة من الشاه وحزبه "رستاخيز" فأطلقت في طهران على صحيفة الحزب الذي حملت اسمه كلمة واحدة هي : "رسوا خير" ومعناها "منبع الفضيحة"ـ
فهمي هويديلأن الشاه في عودته إلى العرش كان مدينا للمخابرات المركزية الأمريكية بالدرجة الأولى، فإن ارتباطة بالمخططات الأمريكية تزايد منذ عام 1953 ، إذ تضخمت أعداد المستشارين الأمريكيين عسكريين ومدنيين حتى وصل عددهم إلى أربعين ألفا وصدر قانون يمنحهم حصانة قضائية خاصة.مما اثار سخط علماء الدين والعامة في البلاد
فهمي هويدي« erste vorherige
Seite 4 von 7.
nächste letzte »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.