يمكن القول إن عنصري الجدّة والراديكالية في الثورة وعدم قبولها وجود سلطة فوق الدولة والمجتمع تُبرّر النظام السياسي القائم، ذلك كله شأن علماني حديث، حتى لو أعيد صوغه صوغًا دينيًا. تتضمن الثورة رفض التسليم بوجود مبرّراتٍ ثابتة للنظام القائم. ولا تقبل الثورة الحديثة نظامًا هرميًا معطى كشأنٍ مقدّس، مثل نظام يجعل الفرق بين الحاكمين والمحكومين جوهريًا كمعطى طبيعي أو كنظام مقدّس نابع من نظام إلهي للكون، تحميه نصوص وتعاليم تقوم على تفسيرها مؤسسة دينية مثلاً. ويبدو، أوّل وهلة، أن هذا الجزم يعني أن الثورات الدينية لم تكن ثورات. والحقيقة أنه يعني أن التمردات التاريخية ما قبل الحداثة لم تكن ثورات، كما نفهم الثورة منذ الثورة الفرنسية فصاعدًا، سواء أكانت دينية الخطاب والدوافع أم غير دينية. وقد سمّاها أصحابها غير ذلك في أي حال. وحين سميّت ثوراتٍ فإنما كان القصد من ذلك حالة التمرد والهيجان. ولكن الثورة الحديثة شأن علماني حتى إذا كانت دينية، لأن الدينية هنا تفترض عمليّة علمنة سابقة عليها، أولاً لأنها تأتي بعد أن نزعت القدسية عن النظام السياسي الاجتماعي القائم ما يجيز الثورة عليه; وثانيًا لأنها تفترض أن على الناس أن يحدّدوا مصائرهم بأنفسهم في إطار الدولة الوطنية القائمة، ولو صاغوا ذلك دينيًا، فالدولة الوطنية شأن حديث وكيان علماني; وثالثًا فقد جرت عملية علمنة سابقة جعلت الخطاب الديني يتسيّس، أو يحاول أن يحتلّ السياسة من جديد.
عزمي بشارةامتد الحاجز وهيمن على كل شئ . الحاجز فى قلوبهم , والحاجز فى عيونهم . الحاجز يفصلهم ويقسمهم على جنباته , والحاجز يجمعهم أمامه.
الحاجز يستفز أسوأ ما في صراع البقاء وفيهم , كما يحصل للناس المتصارعين للنجاة بأنفسهم فى قارب لا يتسع لهم جميعاً.
الحاجز يستدعى أنبل ما فيهم . الحاجز هو الفوضى , وهو النظام .
إنه الكتلة البشرية المغبرة المتصارعة المتشابكة المتلاحمة مع كتل الإسمنت فى محاولة النفاذ , كل بجدله .
وهو الصف الطويل الذي يقدم فيه المريض على غير المريض .
الحاجز هو المظاهرة والتحدي وانفجار الغضب والكبرياء دفعة واحدة , بفعل فظاظة الجندي , أو بفعل حرارة الشمس ؟
لا أحد يعلم , فالغرباء الأجانب عموما لا يقفون على الحاجز . الحاجز هو الهتاف , وهو التمتمة . هو اللعنة , وهو الاستعاذة بالله منها
المواطن فى دولة أصحاب الحاجز : إنه إنسان يشعر أن الدولة دولته , وهو بالتأكيد على علاقة شخصية بها . وهي لا تفعل ما فيه الكفاية من أجله . ولا يوجد مجتمع معاصر يشعر ما يشعر به شخصياً وما يكنه تجاه الدولة , إنه مشغول بالدولة وبما يفعله السياسيون لها من أذى , إنه حريص عليها . كما يستخدم تعبير الدولة بكثافة قل مثيلها في المجتمعات المتحضرة التي يجب أن ينتمي إليها .
أكبر صحيفة تسمي نفسها فى الدعاية لذاتها تسمية غريبة فى عرف المجتمعات المتحضرة : (( صحيفة الدولة )) . وأفضل كوميدى يسمى (( مهرج الدولة )) وأفضل استعراض فني يمنح لقب (( استعراض الدولة )) فى عامية تلك البلاد الدارجة , وقلما تستخدم مصطلحات مثل الوطن أو البلد . وبالطبع هنالك في أكبر المدن ساحة فخمة تسمى (( ميدان الدولة )) , وغالباً ما يؤكد المحتج على غبن أو ظلم مطالبته بقرض سكني , أو بفرصة عمل أو من أجل حقوقه كمعاق , أو ضد إغلاق مصنع نسيج , على مساهمته في بناء الدولة , أو مساهمة أبنائه فى الدفاع عن الدولة .
بعد أن تمأسس الحاجز وقبل أن يصبح شموليا إلى درجة التيئيس والتنفير عن انتظار فرجه , قامت حول الحاجز حالة هرج ومرج . وبين طوابير السيارات الطويلة حمل رجل ( ثيرموس )) قهوة ذا ذراع طويلة وتصرف كأنه بائع السوس على مدخل باب العمود , إنه يبيع رشفات قهوة صباحية يتناولها الناس من نوافذ سياراتهم . ولكن الكؤوس بلاستيكية تنازلت للقهوة العربية بأن تقزمت حجما فاصبحت أكثر قبحا , وبذلك خسرت عالم الكوكاكولا ولم تكسب عالم القهوة العربية .
وهي تتناثر فى كل مكان لتعزز المشهد البلاستيكي المألوف والطاغي بدءا بالكراسي مرورا بخزانات مياه الجنود البلاستيكية السوداء وقواطع البلاستيك المملؤة بالاسمنت على الشارع وانتهاء بالأكياس البلاستيك الابدية .لقد هيمنت اكياس البلاستيك السوداء على المشهد ترفرف على كل نبتة شوكية علقت بها على الهضاب المحيطة بالحاجز , وهي كثيرة . يضفي الاسود المغبر على نبتة شوك علق بها كيس , لا سبب أو هدف , إلا لأن الرياح تذروه والأشواك تلتقط ما تذروه الرياح , قبحا وكآبة على المشهد . كيس البلاستيك هوه راية المشهد وعلمه الحقيقي فى كل بقعة من بقاع الحاجز .
تعيش الناس فى ظل الحاجز , سافرت أم لم تسافر , غادرت أم لم تغادر . وجوده طاغ على كل شئ , يتخلل كل تفاصيل الحياة , يصبغ كل شء بلونه . نفسية الناس مرتبطة بالخبر الوارد عن الحاجز , خططهم , مشاريعهم , لقمة العيش , القرار حول مكان السكن ومدرسة الأولاد ومكان العمل متعلقة بموقع كل شئ (( أمام )) الحاجز أم (( خلفه )) , كل الاعتبارات تبدأ بالحاجز وكل الغايات يجب أن تبرر ذاتها بمنطقه , وأن تشرح نفسها أمام عرشه .
عزمي بشارةلم يكن قادة المشروع القومي في مصر والجزائر وسوريا والعراق فاسدين، كما يدعي حاليا من يحاول أن يسقط على الماضي تجربة الحاضر قسرا. فربما انتشر نوع من سوء الإدارة، أو ربما كانت هنالك حالات من الفساد الفردي. ولكن صنّاع القرار لم يتحولوا إلى أثرياء عبر استغلال الموقع السياسي، ولم يسد فيهم حكم العائلة والأقارب، "نيبوتيزم". فنحن نعرف أسماء أبناء عائلاتهم وأبنائهم من كتابة المذكرات الجارية حاليا.
ولا يقارن كل هذا مع فساد الأنظمة الدائرة في فلك الاستعمار أو بفساد نيو لبراليي اليوم، وحلفاء اميركا، او بالفساد المستشري في الدولة القومية المتأخرة بفئاتها الطفيلية من القرابة والنيابة وحتى الوزارة والحزب. فهي التي حولت الحزبية من موقف وبرنامج ونضال وعبء وواجب وسعي للسيطرة لغرض تطبيق الأفكار والبرامج إلى نفوذ ورأس مال سياسي له قيمة تبادلية مثل أية سلعة، ومثل أي قطاع في اقتصاد الخدمات، ولذلك يجوز استبداله بالثروة... ولذلك صارت المراءاة هي الطريق إلى الجاه، والجاه هو الطريق إلى المال، وصار ابن خلدون مصدرا للمصطلحات في فهم المرحلة.
لقد سعى ذلك الجيل فعلا الى بناء ثقافة وطنية ودولة حديثة والى تطوير الزراعة والصناعة وتعميم التعليم والى العدالة الاجتماعية وإلى تحرير فلسطين. وبغض النظر او بدون غض النظر عن أخطائهم، كانت هذه أولوياتُهم فعلا. كانوا أصحابَ مشروعٍ عام. أما الطبقةَ السياسيةَ في أيامنا فصاحبة مشاريع خاصة، في الجمهوريات وفي الأنظمة الملكية.
وإذا كانت القيادات السياسية في يومنا صاحبة مشاريع خاصة سياسية واقتصادية، مسخِّرة في خدمتها أدوات حزبية وأمنية وعشائرية وطائفية، فلا بد ان تنحلَّ معها الأعرافُ والأخلاقُ العامة.
فليس الصالحُ العامُ عبارة عن مجموع المصالح الخاصة. والدفاع عن المصالح الخاصة في حرب الكل ضد الكل لا يؤسس لأخلاق عامة بل لخيارات: الاستبداد او الفوضى.
تقوم الأخلاق العامة على وجود صالح عام وحيز عام. وتقوم السياسة الجمهورية، خلافا لإدارة الامتيازات الملكية والأرستقراطية، تقومُ على فصل الحيز العام عن الخاص... بما يحافظ على كل منهما.
كان جيل فلسطيني كامل يستخدم كلمة النكبة حتى عندما تنفق بقرة أو يموت حصان، فيقولون »فلان انتكب« لأن بقرته ماتت. هذا الجيل اضطر أن يستوعب فجأة نكبة جماعية حقيقية لم يحلم بها، نكبة فقدان الوطن أو البلاد. كان »البلد« في الذهن هو مفهوم القرية الضيق الذي حوفظ عليه في المخيم أما مفهوم الوطن السياسي فقد كان »البلاد«. عرف هذا الجيل فجأة نكبة الغربة والسير على الأقدام في البحث عن مأوى في »بلاد« أخرى لم تصبح هي أيضا بلدا رغم أنها لم تمر بنكبات صهيونية. بحث عن مأوى إلى أن تنجلي العاصفة كما وعدوه.
عزمي بشارةلا بد من التمييز بين نقد الدين كأنه نظرية ونقد نمط تدين محدد في تعامله مع النصوص الدينية.
عزمي بشارةإن أساس تحول الدين الى اديولوجيا هو تسرّب فهمِه الوظيفي إلى وعي صانعي الايديولوجيا, وهذا الفهم هو مكان قد يلتقي فيه متدينون وغير متدينين.
عزمي بشارةليس الدين مصدراً للمعرفة العلمية, فنحن لا نعثر عليها في الكتب الدينية, وبغض النظر عن صحة مقولات هذه الكتب وقابليتها للتأويل كأنها مقولات تتوافق مع اكتشافات علمية. فليس غرض الدين تفسير الواقع تفسيرا نسقياً يربط ويدرس العلاقات بين الناس, بل إن هدف الدين هو هداية الإنسان الى الله.
اللاهوت ايضاً لا يهدف الى تفسير الواقع تفسيراً نسقياً, بل يحاول تنظيم المعتقدات الدينية في نسق مترابط هدفه تأويل الدين وليس تأويل الدنيا. وهذا هو الفرق بينه وبين النسق الفلسفي الذي يحاول تأويل الدنيا ككل أكان ذلك ميتافيزيقياً أم تحليلياً. من هنا, لا يوجد تناقض منطقي بين الدين والعلم, كما لا يوجد تناقض منطقي بين القضايا الميافيزي والقضايا غير الميتافيزيقية.
« erste vorherige
Seite 3 von 7.
nächste letzte »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.