والمثل الأفصح على ذلك هو المرأة التي يقع عليها عادة الغرم الأكبر ويفرض على كيانها القسط الأوفر من الاستلاب من خلال ما تتعرض له من تسلط وما يفرض عليها من رضوخ وتبعية وإنكار لوجودها وإنسانيتها وهذه المرأة المستلبة اقتصادياً وجنسياً في البلدان النامية تعاني من استلاب أخطر بكثير وهو "الاستلاب العقائدي" ويقصد بهِ تبني المرأة لقيم سلوكية ونظرة على الوجود تتمشى مع القهر الذي فرض عليها وتبرره جاعلة منه جزءاً من طبيعة المرأة .وبذلك هي تقاوم تحررها وترسخ البني التسلطية المتخلفة التي فرضت عليها . وأكثر من هذا من تعممها على الآخرين من خلال نقلها إلى أولادها تنقلها إلى البنات منهم حين تفرض عليهن عملية تشريط من أجل الرضوخ للرجل "الأب والأخ والزوج" وتفرضها على الصبيان من خلال غرس النظرة الرضوخيه للسلطة,والتبعية لسيادة القلة ذات الحظوة
مصطفى حجازيلدى الإنسان المتخلف ميل سحري " لأنسنة الطبيعة" .أنه يصورها على غرار الأم الرحوم المعطاء تارة وعلى صورة الأب القاسي العنيف الذي ينزل أشد العقاب وشر البلاء بأبنائه تارة أخرى أو على غرار صورة الأم التي تمنع عن ولدها العطاء وذلك ما يثير فيه أشد أشكال القلق الضمني بدائية , قلق الرضيع لترك الأم إياه, قلق الطفل إزاء قصاص الأب القاسي ,أنهُ يعيش بشكل " نكوصي " كل القلق والمخاوف التي عاناها في طفولته ,من حالات الإحباط أو الإهمال والقسوة التي ألمت به وتحيا في لاوعيه
مصطفى حجازيتحتاج علاقة القمع باستمرار إلى تغذية نرجسية السيد وإلى مزيد من تضخم أناه حتى لايتهددها بروز الحس الإنساني ,بروز التعاطف التابع من التكافؤ بين الذاتية والغيرية ومن هنا استمرار العنف والتعسف , واستمرار التبخيس الذي يصيب إنسانية الإنسان المقهور
مصطفى حجازيأبرز مظاهر أجتياف التبخيس والعدوانية تُفرض على الإنسان المقهور من قبل المتسلط هو الإعجاب به والاستسلام له في حالة من التبعية الكلية . وبمقدار ما ينهار اعتباره لذاته يتضخم تقديره للمتسلط ويرى فيه نوعاً من الإنسان الفائق الذي له حق شبه إلهي في السيادة والتمتع بكل الامتيازات, تلك علاقة رضوخ " مازوشيه " من خلال الاعتراف بحق المتسلط بفرض سيادته.ومن هنا تبرز حالات الاستزلام والتزلف والتقرب
مصطفى حجازيالإنسان المقهور في العالم المتخلف بدل أن يثور ضد مصدر عاره الحقيقي , يثور ضد من يمثل عاره الوهمي وهو المرأة المستضعفة , هذا بينما تحتفظ الفئة المستغلة لنفسها بلقب الشرف والنبل من خلال ما تمتع به من امتيازات.
مصطفى حجازيإن الكثير من التصرفات الاستعراضية التي تشيع في البلدان النامية، تهدف بالتحديد إلى التستر على عقده العار خصوصًا الاستعراض الاستهلاكي. يأتي بعده كل أشكال الإدعاء والتبجّح وخداع الآخرين بجاه أو مال أو حظوة لا أساس لها من الواقع.
إن إنسان العالم المتخلف هو أسير المظاهر مهما كانت سطحيها مادامت تخدم غرض التستر على عاره الذاتي.-
إن طول معاناة الإنسان المقهور, ومدى القهر والتسلط الذي فرض عليه ينعكس على تجربه الوجودية للديمومة على شكل تضخم آلام الماضي وتأزم في معاناة الحاضر وانسداد آفاق المستقبل , العجز أمام التسلط وما يستتبعه من عقدة نقص ,والعجز أمام قوى الطبيعة وما يحمله من انعدام الشعور بالأمن يجعلان الإنسان المتخلف فاقداً للثقة بنفسه وإمكاناتها ,فاقداً الإحساس بالسيطرة على مصيره في يومه وغده
مصطفى حجازيالعلاقة بين الإنسان المقهور والسيد المتسلط ليست جامدة بهذا الشكل وبصفة مستديمة , يغلب عليها واقعياً التجاذب الوجداني , التذبذب بين التبعية والرضوخ وبين الرفض والعدوانية الفاترة يحاول الإنسان المقهور في المرحلة الاضطهادية ,الانتقام بأساليب خفيف (الكسل والتخريب) أو رمزية (النُكات والتشنيعات ) وهذا يخلق ازدواجية في العلاقة: رضوخ ظاهري, وعدوانية خفية وأبرز مثل على هذه الازدواجية هو موقف الرياء والخداع والمراوغة والكذب والتضليل , فالإنسان المقهور متربص دوماً للمتسلط كي ينال منه كلما استطاع وبالأسلوب الذي تسمح به الظروف
مصطفى حجازينجد الإنسان المقهور يستخدم أسلوب السيد المتسلط نفسه ويخاطبه بلغته نفسها.الكذب والخداع والتضليل هي قوام اللغة التي يخاطب بها المتسلط الجماهير المقهورة إن خطابه هو أبداً كذب ونفاق عندما لا يكون تهديداً صريحاً. خطابهُ وعود معسولة وتضليل تحت شعار الغايات النبيلة : الوعود الإصلاحية ,الخطط الإنمائية ,الأخلاق,الرقي والتقدم,المستقبل الأفضل..كلها هراء اعتادت عليها الجماهير وهي بدورها تخادع وتضلل حين تدعي الولاء وتتظاهر بالتبعية
مصطفى حجازيوويل لذي النية الطيبة إنه لا يغرّم فقط من خلال استغلاله, بل يزدري باعتباره ساذجاً وغبياً , تدلنا علاقات التكاذب والتضليل على مدى الانهيار الذي ألم بقيمة الإنسان في العالم المتخلف حين يتحول إلى مضلل أو ضحية تضليل فالآخر ليس مكافئا لنا بل أداة نستغلها بمختلف الوسائل الممكنة أداة لخداعنا
مصطفى حجازي« first previous
Page 2 of 15.
next last »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.