يا صديقى فى داخل كل شعب جماعة تنبح وراء من يلقى لها العظمة، و هل تُريد ما هو أكثر؟ فى داخل كل إنسان ذلك الكلب الذى ينبح و المهم أن نُخرسه ...
سمير مُخاطباً بطل رواية "شرق النخيل" للمُبدع الكاتب الكبير "بهاء طاهر
لكنك لم تخطئي يا كاثرين .. امرأة بالفعل هي السبب! امرأة لم تفارقني عمري كله.
زارتني "نعمة" هذا المساء أو هذا الصباح وغمرتني بالفرح. لا أذكر من الحلم سوى وجهها الجميل الذي ردني إلى زمن البراءة وأيام الأعياد.
"نعمة السمراء" التي اكتسبت اسمها من لون بشرتها الناعمة الخمري الرائق كلون النيل أيام الفيضان. لم يعرفوا وصفاً لهذا اللون الفريد ولا أظن أن أحداً كان يعرف اسم أبيها أو أمها، ربما ولا حتى هي. اشتراها أبي من "سوق الجلابين" طفلة صغيرة لتساعد أمي في عمل البيت ثم وهبها لي عندما كبرت، تربينا معاً ولعبنا معاً ونحن صغيران وكانت صاحبتي وأقرب إليّ من أخي سليمان. لعلي كنت ألمسها أو أقبلها أثناء اللعب على عادة الأطفال، لكن ما كان يفتنني فيها في هذه السن الحكايات التي كنت أسمعها منها.
من أين تعلمتها؟
من أمها التي ماتت عنها طفلة؟
من الجواري الأخريات في البيت أو خارجه؟
لا أدري.
لكن حكاياتها كانت مليئة بالملوك الطيبين والملوك الأشرار، وتغير في الحكاية الواحدة كل مرة فأسمعها كما لو كانت جديدة دائماً وهي ترويها كأشياء حدثت للتو. يتهدج صوتها وهي تحكي كيف سحر الشرير ملكاً طيباً واغتصب عرشه بعد أن حوله قرداً وكيف يرى الملك المسحور ابنته السجينة في القصر ويريدها أن تتعرف عليه بالصرخات والإشارات الخرساء فلا يفلح، وتغرورق عينا "نعمة بالدموع وهم يسوقون الأميرة السجينة لتزويجها من الملك الشرير، ثم يتهلل وجهها بالفرح حين يأتي الأمير الجميل، دائماً ما يأتي ذلك الأمير الجميل، فيخلصها من الأسر ومن الزواج البغيض ثم يفك السحر عن الملك الطيب الذي يكافئه بالزواج من الأميرة.
سمعت وأنا صغير حكايات من أمي ومن الجواري والخادمات الأخريات في البيت. لكن حكايات "نعمة" وحدها هي التي عاشت معي ووجهها وهي تحكي وصحبة طفولتنا وأسرارنا المتبادلة.
كنت أول رجالها ولم تكن أول نسائي.
كانت صاحبتي وكانت تردني بحكاياتها طفلاً وتستردني بالعشق رجلاً.
لزمت الصمت، لم يعد عندي شيء أقوله، لم أعد أنا. رأيت نفسي مثلها، منذ مدة أتلاشى، لم تغب عني أنا أيضا الفرحة وحدها، بل غاب حتى الحزن والألم
بهاء طاهر« first previous
Page 51 of 51.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.