ها أنتِ اليوم يا زينة الآمال كالباب المهدوم بين الماضي الذي كان قصراً وبين المستقبل الذي هو من أنقاض هذا القصر، فما يرى الناظر من هذا الباب إلا كيف تنهدمُ الحياة وكيف يثور غبارها
مصطفى صادق الرافعيلا يصح الحب بين اثنين إلا إذا أمكن لأحدهما أن يقول للآخر: يا أنا.... ومن هذه الناحية كان البغض بين الحبيبين – حين يقع – أعنف ما في الخصومة، إذ هو تقاتل روحين على تحليل أجزائهما الممتزجة. وأكبر خصيمين في عالم النفس: متحابان تباغضا...
مصطفى صادق الرافعييا مَن على الحب ينسانا ونذكره .... لسوف تذكرنا يوماً وننساكا
إن الظلام الذي يجلوك يا قمرٌ .... له صباح متى تدركه أخفاكا
وللحب العجيب جنس من النساء عجيب، خُلقن جواسيس على القلوب يدخلن فيها ويخرجن منها، وقلما تجسدت الواحدة منهن إلا لتفضح للدنيا أسرار روحِ عظيمة، وهذا الجنس تُهيّئهُ الطبيعة تَهيئة المادة السحرية، وتولد المرأة منه مرتين، فإذا هي انحدرت إلى الدنيا طفلة جعلت تأخذ في دمها الجذَّاب من شعاع الشمس يتوهَّج، ومن نور القمر يتندى، وذهبت تنمو في ظاهرها نموّاً وفي باطنها نموّاً غيره، حتى إذا بلغت مَبلغَها وانبعثت مِلءَ شبابها، آن لها أن تُولد الثانية، فوُلدت في قلب رجلّ.
والعجيب أنها في الولادة الأولى يكون أولُ وجودها هو أولَ وجودها، أما الثانية فذلك أولُ فنَائها، لأن المرأة متى حلتْ من قلب الرجل محلاً، جعل يُفنيها معنى في كل معنى حتى تفرغ، فلا يبقى منها إلا ذكرى زمن مضى...
وكل امرأة من هذا الجنس هي مُعجزةٌ عقلية ما دامت مخبوءة في الشعاع السماوي من جمالها، وما دام هذا الشعاعُ يفعل فعله الذي عرفه الناس أوضحَ ما عرفوه في أديانهم وعقائدهم وفيما أنزلوه منزلةَ الأديان والعقائد
والقلبُ الكريم لا ينسى شيئاً أحبه ولا شيئاً ألفه، إذ الحياة فيه إنما هي الشعور، والشعور يتصل بالمعدوم اتصاله بالموجود على قياس واحد، فكأن القلب يحمل فيما يحمل من المعجزات بعضَ السر الأزلي الذي يحيط بالأبعاد كلها إحاطة واحدة، لأنها كلها كائنة فيه: فليس بينك وبين أبعد ما مرّ من حياتك إلا خطوة من الفكر، هي للماضي أقصرُ من التفاتةِ العين للحاضر
مصطفى صادق الرافعيمن المرأة حُلوٌ لذيذ يؤكل منه بلا شَبعَ: ومن المرأة مُرٌّ كَريه يشبع منه بلا أكل!...
مصطفى صادق الرافعيإن من النساء ما يُفهم ثم يعلو في معانيه الجميلة إلى أن يمتنع، ومن النساء ما يُفهم ثم يَسفُل في معانيه الخسيسة إلى أن يُبتذل !
إن من المرأة ما يُحَبُّ إلى أن يلتحق بالإيمان. ومن المرأة ما يُكره إلى أن يلتحق بالكفر
ترى العمر يتسلل يوماً فيوماً ولا تَشعر به، ولكن متى فارقنا من نحبهم نبّه القلبُ فينا بغتةً معنى الزمن الراحل، فكان من الفراق على نفوسنا انجارٌ كتطاير عدة سنينَ من الحياة.
وترى العمرَ يمتلئ شيئاً فشيئاً ولا نُحس الزيادةً كيف تزيد: فإذا فارقنا من نحبهم نبَّه القلب فينا معنى الفراغ، فكان من الفراق على أكبادنا ظمأ كظمإ السقاءِ الذي فرغ ماؤه فجف وكان الفراق جفافه.
ألا يا طائر الحب، إن لك إذا طرت جناحين، فما أقرب من هو على جَناح الفراق ممن هو على جَناح الهجر
المرأة الأولى أضاعت على الرجل جنته، ومن نسلها نساءٌ يُضيِّعن على الرجل الجنة وحيالها!... ولو استطاعت الأرض أن تفر من تحت قدمَيْ مخلوق براءةً منه، لكان أول من تَنخزل تحت رجليه واحدة من هذا النوع!
مِلحُ الله لا يحلو أبداً، فماذا تصنعُ في نفس لو سالت لكانت بُحيرَة؟
ألا إنما الإنسان من الأقدار كالنبات بين الفأس التي تَحرثُ له والمِنْجَلِ الذي يحصد فيه، وما هذه الدنيا إلا هذان، فلا يحسبنَّ العودُ الطالع أنه شيءٌ غيرُ هذا العود المقطوع
مصطفى صادق الرافعي« first previous
Page 67 of 70.
next last »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.