يقول أحد المستشرقين في كتاب "الشرق الأدنى، مجتمعه وثقافته":
"إننا في كل بلد إسلامي دخلناه، نبشنا الأرض لاستخراج حضارات ما قبل الإسلام. ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات"!
ولعل من الأمثلة الواضحة على ذلك قول "شاعر النيل" حافظ إبراهي:
أنا مصري بناني من بنى هرم الدهر الذي أعيا الفنا!
ذلك مع أن له شعرا كثيرا في "الإسلاميات"!
والمستشرق -الصريح- يكتفي منه بهذا التذبذب بين الفرعونية وبين الإسلام! كما يكتفي من غيره بالتذبذب بين الإسلام والآشورية أو الفينيقية أو البربريو أو الجاهلية العربية أو غيرها من الجاهليات!
إن درس التاريخ هو درس تربية في ذات الوقت. بل هو من أعظم الدروس التربوية حين يلتفت إلى جانب العبرة فيه. فعلى أي شيء نربي أبناءنا؟!
محمد قطبوحين يخلو الدين من التشريع، ويصبح عقيدة فحسب، فإن علماءه وفقهاءه يتحولون إلى "رجال دين" أي "كهنة"، وسرعان ما يتحول الكهنة إلى وسطاء بين العبد والرب، وتكون لهم قداسة، ويكون لهم على قلوب الناس سلطان.. فيبدأ الطغيان
محمد قطبظاهرة الموت والحياة.. تشد الحس إلى "المحي المميت" الذي بيده الموت وبيده الحياة، يَقدٌرٌ منهما ما يشاء لمن يشاء، فيجري قدره بما شاء سبحانه، ولا يقف في طريقه حائل، ولا يعترض طريقه معترض
محمد قطبوكون الإنسان عربيًا، أو تركيًا، أو هنديًا، أو أندونيسيًا، أو ما شاء الله له أن يكون مسألة تتعلق بالمولد في القوم معينين، يقطنون أرضًا معينة، ولهم لسان معين .. وتلك مسألة لا إرادة للإنسان فيها، ولا يتدخل الإسلام في شأنها، ولا يقول لأحد أقطع انتمائك إليها.
وقد ظل سلمان الفارسي -رضي الله عنه- يسمى في الإسلام "سلمان الفارسي"، وصهيب يسمى "صهيب الرومي"، و"بلال" يسمى "بلال الحبشي"؛ لأن هذه الإنتماءات ذاتها أصطبغت بالإسلام، فأصبحوا كلهم مسلمين، وإن أختلفت ألوانهم ولغاتهم وأصولهم .. فلم تعد تلك الإنتماءات حاجزًا يحجز المسلمين عن الآخر، أو يفصله عنه، أو يثير في نفسه شيئًا يعتز به خلاف الإسلام.
ولقد يفترق إنسان عن إنسان، وشعب عن شعب، وجيل عن جيل فى بعض السمات الشخصية، وفى مدى العلم أو الجهل، ومدى الهدي أو الضلال، ولكن الإنسان فى مجموعه وفى جميع حالاته هو الانسان، والدائرة التى يدور فيها واسعة حقاً، ومتباينة الأجزاء حقاً، ولكنها فى النهاية هى الدائرة الإنسانيه المرسومة منذ الأزل لهذا الانسان !
محمد قطبإن "الحضارة" ليست مجرد البراعة في الانتاج المادي، وإن كان هذا مطلوبًا للنجاح والتمكين في الأرض، ولكن هذه البراعة وحدها، من غير الالتزام بالمنهج الصحيح لا نتشئ حضارة حقيقية، أو قل إنها تنشئ "حضارة جاهلية" إن صح التعبير ..
حضارة تحقق جانبًا من كيان الإنسان ولا تحقق كيانه كله، ولا تحقق أثمن من فيه ..
وتدمره في النهاية!
الرغبة في التعبير عن مكنون النفس في صورة جمالية رغبة فطرية، وإليها يرجع وجود الآداب والفنون في تراث كل أمة عاشت على الأرض منذ عهد الكهوف إلى وقتنا الحاضر ..
وإذا كان الموهوبون في هذا المجال قلة بالنسبة لمجموع الناس، فإن بقية الناس يشاركون بالتلقي، والإستمتاع بالانتاج الفني والحفاوة به، لأنه يعبر لهم عن مكنون نفوسهم، فيتمثلون به وينشدونه كأنهم هم القائلون ..!
ن هناك مقتضى فكريًا للا إله إلا الله، يجعل المسلم يفكر بمنهج معين، لا يختلط بمناهج التفكير الجاهلي، وإن التقت بعض جزئيات تفكيره مع أفكار غيره، فما يتعلق بالحقائق العلمية والتجارب المعملية، ولكن المسلم يتناولها بطريقته الخاصة، ويعطيها تفسيرها المستمد من مقررات الكتاب والسنة.
محمد قطبأما النظام الإسلامي فلم تضعه هيئة تشريعية على الأرض. وإنما هو من وحي السماء، ولا مصلحة للسماء في تغليب طبقة على طبقة ولا فرد على فرد؛ لأن هؤلاء وأولئك جميعًا عباد الله، وهم سواء من حيث منشؤهم، ومن حيث مآلهم الأخير؛ من قدرة الله خلقوا، وإلى الله يعودون في النهاية فيحاسبهم جميعًا بميزان واحد، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
والشريعة الإسلامية نظام يطبق على الجميع، لصالح الجميع، ولا يجامل أحدًا على حساب أحد: الحاكم والمحكوم، الغني والفقير، الشريف والعبد، كلهم أمام القانون سواء.
« first previous
Page 5 of 9.
next last »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.