(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

أرأيت لو أنك لم تدعو لأبويك بهذه الرحمة وقد قاما بما ينبغي من شؤونك والنهوض بتربيتك، لا بد أن يكرمهما الله بالرحمة دعوت أو لم تدعو، لكن الله يعلمنا الوفاء، يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن نكون أوفياء تجاه آبائنا؛ أي أن الله يسلكنا في مسالك الأخلاق الراشدة. أبواك أسديا إليك هذا المعروف، فعلا ما فعلا أتعبا أنفسهما في صغرك من أجل أن ينهض منك شابٌ سعيد بحياته، مستقيمٌ في سلوكه، ألا يستحق منك كلمة تعبر بها عن وفائك لهذا الاهتمام. أجل .. ما الكلمة التي تعبر بها عن وفائك لأبويك أن تدعو الله لهما بهذا الذي علمك الله إياه، فكذلك صلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل والنهار. إن هي إلا لسان وفاء نرحل به إلى الله عز وجل نقول له: يا رب .. لولا رسولك هذا ما عرفناك، لولا رسولك هذا ما التزمنا بهديك، ما عرفنا صراطك، ما عرفنا الحق من باطل. فاللهم إنا نسألك أن تزيده فضلاً على فضل وأن تزيده إكراماً على إكرام، هذا معنى صلاة العبد على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

محمد سعيد رمضان البوطي

Tags: الصلاة-على-النبي



Go to quote


في أحداث هذا القسم الأخير من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلوح قصة الحقيقة الكبرى في هذا الوجود !.. الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين وعناد الملحدين، وطغيان البغاة و المتألهين. إنها الحقيقة التي تمد صفحة هذا الوجود المائج كله بغاشية الانتهاء و الفناء، وتصبغ الحياة البشرية بصبغة العبودية و الذل لقهار السموات والأرض.
حقيقة تسربل بها ( طوعاً أو كرها ) العصاة و الطائعون، والرؤساء و المتألهون، والرسل و الأنبياء، و المقربون و الأصفياء، والأغنياء والفقراء، ودعاة العلم و الاختراع !..

إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان و المكان وفي أذن كل سامع وعقل كل مفكر : أن لا ألوهية إلا لله وحده، وأن لا حاكمية إلا لذاك الذى تفرد بالبقاء، فهو الذي لا مرد لقضائه، ولا حدود لسلطانه، ولا مخرج عن حكمه، ولا غالب على أمره .

أي حقيقة تنطق بهذه الدلالة نطقاً لا لبس فيه ولا غموض أعظم من حقيقة الموت وسكرة الموت إذ قهر الله بهما سكان الدنيا كلها منذ فجر الوجود إلى أن تغيب شمسه؟!..

لقد مر في معبر هذه الدنيا كثير من أولئك المغترين الذين غرقوا في شبر من القوة التي أوتوها، أو العلوم التي فهموها، أو المخترعات التي اكتشفوها، ولكن هذه الحقيقة الكبرى سرعان ما انتشلتهم وألقت بهم في بيداء العبودية وأيقظتهم إلى صحو التذلل لقيوم السموات و الأرض، مالك الملك كله، فقدموا إلى الله عبيداً أذلاء خاضعين.

كل نفس ذائقة الموت !...

محمد سعيد رمضان البوطي


Go to quote


أيتها الرياض النضرة ..
أيتها الورود الناعمة الضاحكة ...
أيتها الروائح المسكرة العبقة ...
لشد ما يطربني وينعشني أن أجدني غريقاً فيما بينكم ، ملفوفاً بتحنانكم ، ولكني ما انتعشت منكم بشيء أكثر من الأمل ...

الأمل ..! أقرؤه في تماوج العشب مع الرياح السارية ، وأجده في انبعاث روائح منعشة شتى من تلك الورود النضرة ، وأسمعه من حفيف الأغصان وتصفيق أوراقها الرقيقة الخضراء ..

أجل ...إنه الأمل الذي صورته يد الخلاق ، إذ أنبتكم من طوايا أرض مظلمة جامدة ، أبدع حياة الأرض من موتها ، وأخرج زينة الدنيا من كآبتها ، وأظهر أرق ما في الكون من قسوته وصلابته ..

يا من استوى في خلقه الأمل واليأس ، وتلاقى في تقديره الموت مع الحياة ..
يا منشئ النور من الظلام ، ومبدع الفرح من الأحزان ..
يا من هذا سر لطفك وطعم إحسانك وحنانك
يا إلهي : كيف أيأس إذاً و أنت ربي ، أم كيف لا ينعشني الأمل وأنت حسبي...

محمد سعيد رمضان البوطي


Go to quote


كل نفس ذائقة الموت !..

إطلاق لا قيد فيه، و عموم لا مخصص له، وشمول ليس للدنيا كلها أن تجعل له حداً.

فليأت دعاة العلم الجديد، والرقي الحديث ومتوثبو الغزو الفضائي فليجمعوا أمرهم، و ليضفروا جميع إمكاناتهم المختلفة، وليحشدوا كل أقمارهم المصنوعة ومراكبهم المشروعة، فليستعينوا بذلك كله على أن يزيحوا عن أنفسهم شيئاً من سلطان هذا الموت الذي قهرهم واستذلهم، وليبطلوا بذلك ولو جزءاً من هذا التحدي الإلهي : كل نفس ذائقة الموت. فإن فعلوا ذلك فإن لهم حينئذ أن يشيدوا لأنفسهم صروحاً عالية من الجبروت و الطغيان و التأله والكفران، وإلا فأحرى بهم أن يتفرغوا للتأمل في تلك القبور التي سيغيبون في أحشائها و التربة التي سيمتدون تحتها، وفي القبضة التي لن ينجوا من حكمها .

محمد سعيد رمضان البوطي


Go to quote


ولقد كان من اليسير على الله عز وجل أن يجعل مرتبة رسوله صلى الله عليه وسلم فوق مستوى الموت وآلامه، ولكن الحكمة الإلهية شاءت أن يكون قضاء الله تعالى في تجرع هذا الكأس بشدتها وآلامها عاماً لكل أحد مهما كانت درجة قربه من الله جل جلاله، حتى يعيش الناس في معنى التوحيد وحقيقته، وحتى يدركوا جيداً أن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، فليس لأحد أن يتمطى ليعلو بنفسه على مستوى العبودية بعد أن عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم خاضعاً لحكمها ونزل به قضاؤها، وليس لأحد أن لا يكثر من ذكر الموت وسكرته بعد أن عانى حبيب الله تعالى من برحائها و غشيته آلامها، وهذا المعنى هو ما أوضحه كلام الله جل جلاله :( إنك ميت وإنهم ميتون ) وقوله تعالى :( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ؟! كل نفس ذائقةالموت ونبلوكم بالشر و الخير فتنة وإلينا ترجعون )

وإذن فنحن في هذا القسم الأخير من سيرته عليه الصلاة و السلام أمام مشهد لحقيقتين هما دعامتا الإيمان بالله عز وجل، بل هما دعامتا الحقيقة الكونية كلها : حقيقة توحيد الله عز وجل، وحقيقة العبودية الشاملة التي فطر الله الناس كلهم عليها ولا تبديل لحكم الله وأمره .

محمد سعيد رمضان البوطي


Go to quote


لقد كان الحب هو سر توفيق الله لي , ولقد كان الحب هو السر الجاذب الذي سرى في حديثي المقروء و كلامي المكتوب , فكان له في أفئدة الناس التفاتة متميزة , ولو كان الزخم العلمي في كلامي هو السر , إذن لكانت رتبتي في إقبال الناس إلي متأخرة عن رتبة كثير ممن هم أرسخ مني قدما في العلم و فنونه ..

لقد شاء الله لي أن أسير خلال رحلتي العلمية و الفكرية في دنيا الناس هذه , في طريق محفوف بلوحات الجمال المرئية و المسموعة .. عن يمين و شمال .. ولكم ذاب قلبي منذ نعومة أظفاري في وهج ما كانت تتقد به تلك اللوحات من نور و نار .. و ها أنا – و لا أزال سائرا على متن هذا الطريق - أرى بوارق الجمال الحق تلوح أمامي .. تلوح لعيني على البعد و أملي بالله عز و جل مزدهر و كبير أن لا تقطعني عوارض الأحلام الوردية الزائفة عن متابعة السير إلى المنتهى .

بل إن رجائي من الله عز و جل أن لا يريني في صور الجمال المتنوعة الكثيرة التي تتألق من حولي إلا جمال ذاته , و أن لا يجعل في قلبي إلا وعاء لحبه .

الحب : شعور انفعالي , و ليس فعلا اختياريا , و لذا لا تتعلق به الأحكام الشرعية من حرمة أو وجوب أو كراهية ..

ومن المعلوم أن الأحكام التكليفية إنما تتعلق بما هو داخل في وسع الإنسان لقوله عز و جل : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة / 2/286 .

فالشارع جل جلاله لا يقول لك : لا تحب .. ولكن يقول : إذا أحببت فلا تنحرف .

و لا يقول لك : لا تكره .. ولكن يقول: إذا كرهت فلا تظلم .

و لا يقول لك : لا تجع ... ولكن يقول : إذا جعت فلا تسرق .

ومن هنا ندرك أن على الإنسان إذا أحب , ألا يستسلم لدوافع حبه في نطاق الأعمال السلوكية و التصرفات الاختيارية إلا ضمن حدود الشريعة و أحكامها التكليفية المعروفة , و آداب الشريعة و أحكامها في علاقة ما بين الجنسين معروفة و لا مجال في هذا المقام لسردها .

غير أن مشاعر الحب شيء , و تعريض الإنسان نفسه لهذه المشاعر شيء آخر ..

أولهما انفعال قسري لا اختيار فيه .. و ثانيهما فعل اختياري يتحمل صاحبه نتائجه من خير و شر ..

إن لوعة الحب وحدها هي السوط السائق و التيار المحرك , و المحب هو وحده الذي يبذل الجهد شوقا إلى المحبوب فيسهل بذلك عليه الصعب و يقرب أمامه البعيد , و تفنى القوى , و تذوب الحياة , و لا يرى أنه قد أوفى بعهد المحبة , أو قام بواجب شكر النعمة .

وكم في المسلمين و دعاتهم من أناس لا يعجزهم أن يحلوا معضلات الدين و أن يبينوا أحكامه في عقلانية دقيقة واعية , و لكن أعينهم لا تعرف الدموع و أفئدتهم لا تذوق الخشوع , فلن تجد أي فائدة أو تأثير لعقلانيتهم الجامدة , و لن تجد في هؤلاء الناس من يتخلص يوما ما من رطانته الفكرية و أثقالها كي يندفع في سبيل من سبل التضحية و تحمل الجهد و المشاق.

محمد سعيد رمضان البوطي

Tags: الحب



Go to quote


أليس من أخص واجبات هؤلاء الذين يتباهون بالعلم، أن يستعينوا بالعلم نفسه للإجابة على هذه السئلة،
وأن لا يكونوا غيبيين في إغماض اعينهم عنها، ثم أن لا يكونوا عشوائيين في اقتحام الأمر على غير بصيرة
ولا هدى.

محمد سعيد رمضان البوطي

Tags: العلم جهل العلم-والإسلام تخلف-المسلمين



Go to quote


الدين غريزة فطرية عند النسان أيا كان وفي أي عصر عاش. إل أن هذه الفطرة إذا غذيت
بالعلم والتحرر الفكري، هدي صاحبها إلى معرفة الدين الحق..أما إذا تركت دون أن يشرق فيها ضياء العلم، فإنها قد تضل بصاحبها،
وتزج به في سبل الغواية وتخضعه للأوهام والأساطير.

محمد سعيد رمضان البوطي

Tags: islam sociology muslims albouti



Go to quote


بل أقول : من أين لكم هذا التلزم المختلق بين أن تبرز المرأة عارية الجسم والمفاتن، وأن تنطلق في دنيا
العلم والثقافة والتصنيع؟!..
ها هي ذي معظم الشوارع والسواق، قد فاض كما تحبون بهذه المظاهر صنوفا وألوانا،ً فأي قيود من قيود
التخلف حطمتموه، وأي كسب من اكساب التقدم حققتموه؟.

محمد سعيد رمضان البوطي

Tags: عولمة جهل تخلف الدين-الإسلامي الانفتاح



Go to quote


هذا التخلف لم يحق بنا إلا لأننا لم نعد نملك
أساساً أخلاقيا ينهض عليه بنيان أي تفوق في حياتنا، وأن الأخلاق، والأخلاق وحدها هي التي تنقل
الإنسان من ساحة العلم الى العمل به ثم إلى الوجه الأسلم في الاستفادة منه

محمد سعيد رمضان البوطي

Tags: إسلام أخلاق نهضة



Go to quote


« first previous
Page 6 of 9.
next last »

©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab