والمعلم الذي فهم المسألة وهضمها حتى صارت مِلكاً له يستطيع أن يُفهمها من شاء، يقلب العبارات ويبدّل الأساليب حتى يصل إلى العبارة المبيّنة والأسلوب المناسب. فإن وجدتَ معلماً يشرح الدرس فلا يُفهم عنه ويعيد الشرح فلا يصل إلى الأفهمام فاعلم أنه مافهم هو ما يدرّسه، وإنما حفظه فهو يكرر كما حفظه لا يستطيع ان يخرج عنه .
علي الطنطاوييقال أن المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر. وهذا صحيح من وجه واحد وغير صحيح من تسعة وجوه. إنها تصغر بالنسيان، والنسيان أعظم نعم الله على الإنسان، ولكنها تكبر كلما كبر ظهر أثر من آثارها. والآثار لا تظهر دفعة واحدة بل تظهر تباعاً، وكلما بدا أثر جديد جددّ وقع المصيبة.
علي الطنطاويلقد أدركتت يومئذٍ (وتحققت اليوم) أن الحياة مثل الناعورة. هل تعرفونها؟ دولاب كبير علقت فيه دلاء وسطول، يكون السطل منها ملآن وهو فوق (كما كنا على عهد أبي) فينزل فارغاً إلى الحضيض (كما نزلنا بعده). فمن كان قصير النظر ظن أنها النهاية، ومن دقّق وحقّق رأى الدولاب يدور، فما نزل يصعد وما فرغ يمتلئ ...
وإن هذه هي الدنيا: ارتفاع وانخفاض، امتلاء وفراغ ، فقره بعده عنى وغنى قد يأتي بعده الفقر، لا العالي يبقى فوق ولا الواطي تحت، ولا يدوم في الدنيا حال، والدولاب دوّار. الأحمق يظنها حظوظاً ومصادفات والعاقل يدرك أنه عمل متقَن، فلا البناء الذي يحمل الناعورةَ أقامه الحظ ولا حرَكتها بنت المصادفات، لكنها هندسة محكمة وحساب دقيق...
ما يُعطى أحد في هده الدنيا ولا يُحرم ولا يعلو ولا يهبط إلا لحكمة بالغة وأمر مقدر، سطره مقدّر في كتاب. فمن اهتدى إلى هذه الحقيقة واطمأن إلى أنه عادل لا يظلم، حكيم لا يعبث، سكَنَ واستراح. ومن أنزل غضبه بخشب الناعورة أو بحديدها، يحسب أنها هي أفرغت إناءه وأراقت ماءه، عذب نفسه بها ولم ينل منها منالاً..
والعالم لا يذلّ إلاّ إذا مد يده بطلب أو تشوف قلبه إليه، فإما أن يكون العالم غنياً بماله، وإما أن يكون غنياً بالقناعة بما قسم الله له من رزق والعزّة بما أكرمه الله به من إيمان ..
علي الطنطاويفما يقاس الحُسن والقبح بمصدره الذي صدر عنه، ولا يعرف الخير من الشرّ بمنبعه الذي جاء منه، بل يُعرف حسنه وقبحه وخيره وشره من ذاته وصفاته، فقد نرث عن آبائنا رأياً أو عادة ويكون فيها الضرر، وقد نستورد رأياً أو عادة من عند غيرنا ويكون فيها النفع...
فكيف _إذن_ نميز الحسن من القبح والخير من الشر؟
الجواب: نميز بما أودعه الله فينا من عقول، فإن أخطأت العقول الطريق نفتّش عن النور الذي يدلها عليه ويسيرها فيه، ويكفل لها بلوغ الغاية فلا تضل عنها. وهذا النور هو الشرع. فالميزان هو العقل المهتدي بهدي الشرع..
يا ويح من يظن ان الأدب إنما هو حديث الشهوة ملفوفًا برداء الفن
علي الطنطاويالحب هو عماد الحياة وركنها وأساسها، لا معدى عنه ولا منجى منه. وأحسب أن الشباب الحاضرين، بل وكثيراً من الشيوخ، يصفرون لي وينزلونني عن المنبر إذا أنا قلت لهم: " لا تحبّوا". وكيف أقولها؟ أجننت حتى أقولها؟ أنا لا أقول حطموا القلوب ودوسوا العاطفة، وماذا يبقى لنا إذا خسرنا العاطفة؟
علي الطنطاويالعاطفة هي التي تدير دولاب حياتنا وتسيّر أمورنا كلها، أما العقل فلا يصنع وحده شيئاً. ومن يذكر منكم أنه مشى خطوة واحدة برأي العقل وحده؟ العقل ـ يا سادتي ـ فيلسوف أعمى، حكيم مُقعد ينادي بصوت خافت ضعيف... أما العاطفة فهي القوة، هي النشاط، هي الحياة.
علي الطنطاويأرأيت يا أخي كوب الماء العكر لا تستطيع أن تسيغه على عكره ولا تملك أن تعيده إلى صفائه، فتتركه للزمان يُنزِل إلى قرارته ما علق بع من أدران فيبدو صافياً، وما صفى ولكن رسب فيه العَكَر. كذلك يستقرّ الحزن في أعماق النفس، يستره النسيان حتى لتحسبه ما كنا. ولقد طالما تسلّيت، ولكن ما سلوت ولا نسيت، وهل ينسى امرؤ حياتَه.
علي الطنطاويالشهرة وخلود الذكر ليست ماينفع الناس ويمكث في الأرض بل هو رضا الله وثوابه العظيم فاطلبوا مايبقى لاتجعلوا أكبر همكم السعي لما يفنى
علي الطنطاوي« first previous
Page 18 of 21.
next last »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.