يختلط مفهوم الدين اليوم بفكرتنا عن المؤسسة الدينية وموقفنا منها , إلى درجة تبعث على التشويش , وتؤدي الي نتائج مفجعة في بعض الأحيان . ولعل أوضح مثال على ما أسوقه هنا , هو تلك الجملة التي وردت في كتاب للفيلسوف الاجتماعي كارل ماركس والتي تقول بأن " الدين أفيون الشعوب " . فلقد تحولت هذه الجملة , بعد أن انتزعت من سياقها , إلى شعار رفعته أحزاب موقع السلطة , وحاربت من خلاله كل أشكال الحياة الدينية , حتى ظنت أنها قادرة على اجتثاث الميل الديني من نفوس الناس طراً. والحقيقة أن ما قصده ذلك الفيلسوف ينصب في معظمه على المؤسسة الدينية لا على الدين , على تفسير المؤسسة الدينية للدين لا على تدين الناس , على تسييس الدين واستخدامه أداة ضغط وتسلط , سواء من قبل السلطة الزمنية , أم من قبل أية شريحة أو فئة تجعل من نفسها قيما على دين الناس ومرجعا أعلى لتفسيره والعمل بموجبه .
فراس السواحالانسان الحديث الذي غالبا ما يفخر بعلمانيته وعقلانيته هو سليل ذلك الانسان المتدين القديم صانع الاساطير، وهو إذ يدير ظهره لأساطيره التي فقدت لديه كل مقدرة على الايحاء، إنما يعمل على استبدالها بأساطير مزيفة وطقوس عابثة، قد ترضي ذلك النزوع الاسطوري لديه، ولكنها لا تجعله في انسجام وتلاؤم مع متطالباته الحقيقية. وهذا ما يجعل الجماهير على الدوام عرضة للوقوع في براثن اساطير حديثة مصممة بشكل مدروس من أجل توجيه الجماهير والسيطرة عليها. ويتجلى ذلك بأخطر صورة في مجال السياسة.
فراس السواح« ; premier précédent
Page 2 de 2.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.