لا تنس أيها الصبا أن تعود إليّ بغبار من تراب ذلك المكان، عد إليّ ولو بقليل منه، فإن في ذراته رائحة قلبي وبلسم دائي
محمد سعيد رمضان البوطيتقول زين بطلة الرواية وهي مشتاقة لحبيبها :
أيتها الأطيار السعيدة: كان لي بينكم في هذا الروض طائرٌ مسكين، أسود الحظ، منكوب الطالع، وقد غاب عنه منذ دهر وحلق في الجوّ منطلقاً ولم يعدّ، أفليس منكم من يدري في أي روض استوطن، وعلى أيّ غصن أقام عشه..؟ وهل فيكم من يحدثني عنه، أهو حي لا يزال يخفق بجناحيه ويغرد فوق أغصانه أم نكبه الدهر مثلي فطرحه وأضناه..؟
الهموم إذا لم تجد صاحباً يخفف من آلامها، والزفرات إن لم تصادف مواسياً يبرد من حرها، فأنًّى لصاحب هذه الهموم والزفرات أن يتحمل؟ وأنى للجمل والهدوء أن يجد وسيلة للقلب؟..لا بُدّ للأفراح لكي تصبح مشرقة، ولا بُدّ للأحزان لكي تكون محتملة من صاحب وشريك فيهما. وإلا فما أحرى بالهموم التي تحيط بها الوحشة والانفراد أن تصبح سبباً للهياج والجنون
محمد سعيد رمضان البوطييقول المؤلف في وصف من ينصح إنساناً دون أن يعرف سبب حزنه:
الشوق نارٌ في الفؤاد لا تزيده النصيحة إلا اتقاداً، وهو سر مستكنّ في الجوانح لا يفيده العتب واللوم إلا افتضاحاً. لا سيما اذا كان هذا الناصح لا يدري سر الحزن والألم فيمن ينصحه، فهو يُلقي على سمعه كلاماً بعيداً عن دنيا قلبه وآلامه، لا ريب أن ذلك لا يزيد في نفسه إلا شعوراً بالغربة وإحساساً بالوحشة والآلام
حسبك طيشاً أيها القلب، وكفاك ابتعاداً وتوغلاً في المجاهل منفرداً عن قبس روحك وسراجها. فإن الطريق أمامك، ويحك، مظلمة، والهدف أمامك بعيد.
إنها ، ويحك، روحك! روحك التي هي جزء منك....أيها القلب عد. عد لا تخدعنك مفاتن الغرور والأصداغ. ولا تصدقن شيئاً من ابتسامات الثغور والشفاه، ولا يأخذنك سحر العيون النجل، أو يجذبنك إشراق الوجوه بين ظلمة الشعور الملتوية.
فكل هذا الذي يتألق في عينيك نوره إنما هو نار وجمر، سرعان ما يتوقد عليك لهيباً وتهلك في لظاه
يقول المؤلف في وصف الحب على لسان العجوز:
" يسري من الألحاظ ويسلك طريقه في الألحاظ.. ثم يتخذ مستقره في القلوب. هو في أَول أمره رعدة في المشاعر، ودقات بين ألواح الصدر، وتلون على ملامح الوجه. فإذا نما وترعرع فهو برق يستعر وميضه في الأحشاء، تتلظى الجوانح بناره من غير لهب، ويشوى الفؤاد في وهجه من غير جمر. ثم إذا استقر وتمكن فهو نهش وفتك لسويداء القلب، يجرحه بلا مبضع، ويمزعه من غير سنان. فهنالك يشخب دمه منهمراً من العينين، ويذوب الجسم بين بوتقة الحشا وزفرات الصدر. وهنالك لا يغني الطبيب عقاقيره ولا يجدي سوى أن تتضام الروح وتطفأ النار ببرد الوصال
دعا ممو ربه وهو السجن فقال:
رباه ألست تبصرني؟
ألست تبصرني، وأنا عبدك الضعيف؟ كيف أذوب بين كل هذه الآلام التي لا أطيقها..؟!
رباه إن عبيدك في الأرض لم يرقّوا لتعاستي وشقائي، وإنما سحقوا جراحي، كما ترى، في التراب، وحرموني حتى من الزاد الذي أتبلغ به في طريق فنائي. فارحمني أنت يا رب، فوحقك لن أتوسل بعد اليوم إلى غيرك، ولن أكب دموعي إلا بين يديك، ولن أتذلل إلأ لجلالك................
واشوقاه يا مولاي إلى ذلك اليوم ..! إذ نمضي إلى رحابك، فتمسح بيمين لطفك عن كلينا مدامع الظالمين، وتضمنا بين ذراعي رحمتك، آمنن مقبولين
الصديق..؟ ألا ما أثمن الصديق الي يتسع قلبه المحروم للابتهاج بسعادتك، ويقيم وراء صدره المكلوم عرساً يوم فرحك.
هذا الصديق إذا منحتك الدنيا مثله فافده بسائر مظاهرها ومن فيها فإنما هو سراج من أجلك في الظلماء، وهو أمل لقلبك عند اليأس
ورأيتُ يا مولاي، أشتاتا من الناس يسرحون ويمرحون خلال تلك الآثار كما تسرح الدوابّ والأنعام!.. وقد اتخذوا من دونك حجابا، وجعلوا من نعمائك شغلا لهم عنك، ومن عطائك سببا لكفرانهم بك!..
ورأيتُهم يسجدون للمرآة التي يسطع فيها خيال الشمس، وهم عن وجود الشمس وحقيقتها غافلون!..
ورأيتهم قد فُتنوا بعبق الرياحين وصور الورد والزهر والياسمين؛ ولكنهم عموا أو تعاموا عمن أبدع الرائحة في العطر، وخلق النشوة في الخمر، وأخرج الورود من أكمامها، وفجّر الخضرة من جذورها!..
ورأيتُكَ يا مولاي، تشملهم جميعا بالمنّة والعطاء، وتوليهم جميعا الرحمة والنَّعماء. تلك هي رحمتك بمن قد نسيَك وتاه عنك. فكم هي رحمتك -ترى- بمن عاش يرقب فضلك ويستمطر جودك وإحسانَك؟!..
Mots clés مناجاة-قلب-كسير
نعم، إن القلب قد يتألم ولكن ما ألذَّ الألَم الذي يذيق صاحبه طعم العبودية لك، وحلاوة الرضا بحُكمك! ـ
محمد سعيد رمضان البوطيMots clés مناجاة-قلب-كسير
« ; premier précédent
Page 5 de 9.
suivant dernier » ;
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.