مع تدهور وضع الثقافة الاسلامية كثقافة سلطة منذ بداية العصر الحديث بسبب نشوء الثقافة الغربية الحديثة والقيم الجديدة الكونية والادارية التي اتت بها وتبنتها النخبة الاجتماعية الحالية, بدأت الثقافات الدنيا التي بقيت خاضعة للثقافة العليا الاسلامية بالانبعاث. ومنها الثقافات الاقوامية القديمة العربية والفارسية والمصرية والكردية الى غير ذلك من الثقافات التي بقيت متمفصلة مع الثقافة العليا الاسلامية.

برهان غليون


Aller à la citation


بقدر ما خلقت الدولة الحديثة الجنسية اغلبية اجتماعية مستبعدة من السلطة, دفعت هذه الاغلبية الى البحث عن وحدتها خارج الدولة الحديثة, اي في الدين. ولاول مرة في التاريخ تظهر اليوم امكانية نشوء دولة جنسية (قومية) اسلامية. اول مرة لان الدولة الاسلامية القديمة كانت في الواقع دولة امبراطورية تجمع مختلف الاجناس وكان الاجماع الديني وسيلة لتحقيق اجماع سياسي, اما الآن فان الاجماع السياسي ووحدة فئات وطبقات الامة هو الذي يفرض نفسه كقاعدة للاجماع الديني, اي لتحقيق الهوية الثقافية وصيانتها. الشرعية الحقيقية الاساسية لهذه الدولة هي اذن في معاداتها للتغريب وللنفوذ الاجنبي وضياع الهوية, وهذا ما يجعلها تفقد القدرة على بناء هوية جديدة, اي واقعة اجتماعية جديدة لا يمكن تحقيقها الا في اخضاع الماهية للوجود, وبلورة اجماع سياسي. وما دام من غير الممكن الوصول الى هذا الاجماع فان اثارة مسألة الاقليات الدينية لا بد وان تتدعم بمسألة الاقليات الاقوامية ايضا. ان ما سيميز المرحلة القادمة هو فقدان الاجماع الثقافي والسياسي معا, وهذا يعني قدوم مرحلة من الصراع الاجتماعي والثقافي والسياسي العنيف والدائم حتى تخرج الى الوجود حقيقة جديدة: نمط جديد لتنظيم العلاقات الاجتماعية ولتوزيع الثروة.

برهان غليون


Aller à la citation


يغطي مفهوم الامة الخلط بين الاجماع القومي الحقيقي وبين الوحدة الاصطناعية المفروضة بالقوة ويجعل من المستحيل فهم تطور الامم والحضارات. وهو مفهوم ايديولوجي. اما المفهوم الاصيل فهو مفهوم الجماعة. ودراسة وتحليل تطور علاقات الجماعة الداخلية من جهة ونشوء الدولة والمجتمع المدني منها من جهة اخرى هي التي تستطيع ان تظهر كيف تتحول الجماعة الى امة او تبقى مجموعة من العصبويات المتجاورة والمتعادية.

برهان غليون


Aller à la citation


تحقيق الهوية لا يمكن ان يتم الا اذا وجدت ثقافة قابلة لان تكون قاعدة لاجماع عقلي وهذا يتطلب سياسة ثقافية تملك وسائل تحقيقها المادية والمعنوية. وهو لا يمكن ان ينجح بفرض ثقافة عليا مهما كانت عقلانيتها او علمانيتها. وكذلك فيما يتعلق بالسلطة المركزية فالاشتراك السياسي وتعميم المساهمة في اتخاذ القرارات التي تخص مصير الجماعة لا يمكن ان يتطور الا اذا توفرت الوسائل المادية والفنية والمعنوية لتحقيقها, وليست الديمقراطية اليونانية المبنية على الاقتراع العام الا الاشكال التاريخية التي عبرت من مرحلة من المراحل عن تطور نوع من المشاركة السياسية الشعبية الرامية الى بناء سلطة مركزية مشروعة, واغلب الظن لن يكون من الممكن تقليدها مرة ثانية, اذ من شأنها في كثير من الحالات ان تنتج عكس ما كانت مكرسة لانتاجه: اي ان تغلق الباب امام امكانية المشاركة الشعبية. وقد رأينا ذلك في الديمقراطيات التي بدل ان تحطم العلاقات العصبوية كرستها وسدت النظام السياسي امام القوى الاجتماعية المختلفة او الناشئة.

برهان غليون


Aller à la citation


في حالة غياب الثقافة العليا المقنعة اي التي يتنازل من اجل القيم العليا التي تحملها جميع الافراد عن ثقافاتهم الدنيا, نرى ان العصبوية القائمة قادرة على قتل كل ديمقراطية شكلية وافراغها من محتواها. وفي حالة غياب دولة مركزية تعكس مصالح عليا تتجاوز مصالح عصبية محددة, نرى ان الاجماع الثقافي نفسه يزول لتنشأ ثقافات عصبوية محلية شديدة الانغلاق. وفي الحالتين تكون الاستبدادية هي المخرج الطبيعي للمجتمع. عندئذ يصبح تحقيق المواطنية لكل فرد مرهونا بتحقيق نوع من التوحد مع عصبته. وكثيرا ما تستند الدولة في هذه الظروف, من اجل تدعيم نفسها الى تشجيع ظاهرة المطابقة الثقافية هذه كي تعوض الاجماع الثقافي المصطنع والشكلي الاجماع السياسي المفقود. والعكس صحيح اذ يمكن للدولة التي تفتقر الى اجماع ثقافي ان تجد في السلطة الاستبدادية صورة مصطنعة للاجماع القومي.

برهان غليون


Aller à la citation


تتطلب المشاركة الفعلية في السلطة رفض فكرة التماثل الثقافي الذي يقود بالضرورة الى تدمير قاعدة الديمقراطية. كما تتطلب ايضا رفض فكرة التماثل السياسي الذي يعني مصادرة المصالح المتميزة للجماعة واذابتها في مصلحة واحدة وهمية يعكسها تنظيم مصطنع واحد. وهذا لا يعني ان ليس هناك اليوم وسيلة للاجماع القومي الا بعقيدة دينية جامعة او بتمثيلية ليبرالية غريبة, ولكن المهم في الموضوع هو امكانية وصول الجماعة الى اجماع قومي يحفظ مساهمة كل الافراد في بناء السلطة المركزية التي سيخضعون لها.

برهان غليون


Aller à la citation


ان هدف النقد هو انقاذ المستقبل لا البكاء على الماضي وانقاذ المستقبل يعني الكشف عن النواقص والاعطاب والانسدادات لاصلاح البناء وجعله قابلاللعمل والفعل من جديد

برهان غليون

Mots clés حوارات-النهضة-الثانية



Aller à la citation


الحداثة عملية بناء مستمرة واعادة بناء وتفكيك وتركيب مستمرين

برهان غليون

Mots clés حوارات-النهضة-الثانية



Aller à la citation


ومن مظاهر هذه الأزمة أن الكلام الدائم عن التقدم والتحرر والتمدن والتنمية قد اختفى ليحل محله وصف لا ينتهي للتخلف وآلياته، وللسقوط والإخفق وتبعاته. فقط اصبح من البديهي اليوم الحديث في الاوساط المثقفة والعامة عن اجهاض مشروع النهضة العربية التي حلم بها رجال القرن التاسع عشر وعملوا من أجلها. وارتبط هذا الحديث بميل عارم إلى المراجعة والنقد الذاتي، والى اعادة النظر بالمفاهيم والنظم والعقائديات التي سادت في الحقبة الماضية. فتقويم الاطار النظري العام وفحص المسائل بدقة واعادة تحليل الواقع وفهمه فهمًا جديدًا هي من الشروط الاولية لتصحيح المسار، وجعل الممارسة الاجتماعية ممكنة بعد تردد والنشاط والمبادرة الانسانية مقبولة بعد توقف وتوجس.

برهان غليون


Aller à la citation


بإنهيار النظام القومي الذي شكل المحاولة الأخيرة للحم عناصر المجموعة العربية وإعطائها صيغة سياسية وأهدافًا اجتماعية وتاريخية مقبولة للمارسة والعمل، عدنا إلى عصر الأزمة المفتوحة، وعندما نقول ازمة مفتوحة فنحن نقصد، إنهيار التوازنات الإجتماعية والإقليمية التي خلقها وضمنها النظام القومي، وانفتاح الصرع من جديد بين مختلف مكوّنات الجماعة العربية : الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والطائفية، على مصراعه، من اجل اعادة توزيع عناصر الثروة والمواقع السياسية والاجتماعية، وتكوين الفكرة أو الإيديولوجية التي تكرس هذا التوزيع، وهو يعني إذن انحلال روابط التضامن الداخلي والإقليمي، وانفلات القوى دون ضابط وتنافرها، وذبول القيم والمبادئ القومية واستخدامها السوقي لغايات الصراع الفئوي، والجنوح نحو سياسات الإنكفاء على الذات وخدمة المصالح الأنانية، أي زوال العام وصعود الخاص إلى مقدمة المسرح الإجتماعي.

برهان غليون


Aller à la citation


« ; premier précédent
Page 8 de 9.
suivant dernier » ;

©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab