المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا من حديد فلو راى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم .. كما يقال الاستعداد للحرب يمنع الحرب
Abd al-Rahman al-Kawakibi... وأقل ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم الى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضا فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويفرِّخ .. وهذه سياسة الانكليز " يلي كانو مستعمرين بلدنا " في المستعمرات لا يؤيدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب اختلافهم في الأديان والمذاهب .
Abd al-Rahman al-Kawakibiوالانسان يقرب من الكمال في نسبة ابتعاده عن الخوف .. ولا وسيلة لتخفيق الخوف أو نفيه غير العلم بحقيقة المَخيف منه .. وهكذا اذا زاد علم أفراد الرعية بأن المستبدَّ امرؤ عاجز مثلهم زال الخوف منه وتقاضَوه حقوقهم .
Abd al-Rahman al-Kawakibiبناء عليه ما أبعد الاسراء عن النشاط للتربية ! ثم لماذا يتحملون مشاق التربية وهم ان نوروا أولادهم بالعلم جنوا عليهم بتقوية إحساسهم فيزيدونهم شقاءً , ويزيدونهم بلاءً , ولهذا لا غرو ان يختار الأسراء الذين فيهم بقية من الإدراك ترك أولادهم هملا تجرفهم البلاهة إلى حيث تشاء .
Abd al-Rahman al-Kawakibiما من حكومة عادلة تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التَّمكُّن من إغفالها إلا وتُسارع الى التَّلبُّس بصفة الإستبداد، وبعد أن تتمكَّن فيه لا تتركه وفي خدمتها إحدي الوسيلتين العظيمتين:
جهالة الأمَّة، والجنود المنظَّمة. وهما أكبر مصائب الأمم وأهم معائب الإنسانية.
مبنى قاعدة كون الأمة التي لا يشعر أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية هو:
أن الأمة إذا ضربت عليها الذلة والمسكنة وتوالت على ذلك القرون والبطون
تصير تلك الأمة سافلة الطباع حسبما سبق تفصيله في الأبحاث السالفة، حتى
إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة،
ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير
التابعية للغالب عليها، أحسن أو أساء على حد سواء، وقد تنقم على المستبد نادرًا
ولكن طلبًا للانتقام من شخصه لا طلبًا للخلاص من الاستبداد. فلا تستفيد شيئًا
إنما تستبدل مرضًا بمرض كمغص بصداع.
وقد تقاوم المستبد بسوق مستبد آخر تتوسم فيه أنه أقوى شوكة من المستبد
الأول، فإذا نجحت لا يغسل هذا السائق يديه إلا بماء الاستبداد فلا تستفيد أيضًا
شيئًا، إنما تستبدل مرضًا مزمنًا بمرض حدّ، وربما تنال الحرية عفوًا فكذلك لا
تستفيد منها شيئًا لأنها لا تعرف طعمها فلا تهتم بحفظها، فلا تلبث الحرية أن
تنقلب إلى فوضى، وهي إلى استبداد مشوش أشد وطأة كالمريض إذا انتكس. ولهذا
قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد
لقبولها، وأما التي تحصل على أثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئًا، لأن الثورة غالبًا
تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود
أقوى مما كانت أولا.
الاستبداد اشد وطأة من الوباء ,اكثر هولا من الحريق ,اعظم تخريبا من السيل ,أذل للنفوس من السؤال ,واذا نزل بقوم سمعت ارواحهم هاتف السماء ينادى القضاء والارض تناجى ربها بكشف البلاء .
الاستبداد عهد اشقى الناس فيه العقلاء والاغنياء واسعدهم بمحياه الجهلاء والعقلاء بل اسعدهم اولئك الذين يتعجلهم الموت فيحسدهم الاحياء .
المستبدُّ يجرِّب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغتراراً منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد، فيكونوا له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثمَّ هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو ينكّل بهم. ولهذا لا يستقرّ عند المستبدّ إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله.
Abd al-Rahman al-Kawakibiالمستبدون يخافون من العلم حتى من علم الناس معنى كلمة ( لا إله إلا الله ) .
Abd al-Rahman al-Kawakibi« ; premier précédent
Page 17 de 17.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.