الطائفية هي التعبير السياسي عن المجتمع العصبوي الذي يعاني من نقص الاندماج الذاتي والانصهار, حيث تعيش الجماعات المختلفة بجوار بعضها البعض لكنها تظل ضعيفة التبادل والتواصل فيما بينها. وهي تشكل الى حد ما الطريقة الخاصة بالتواصل الذي هو في ذاته نوع من التواصل الصراعي, في هذا المجتمع المتحلل والفاقد ليس فقط للصعيد الموحد السياسي او الاديولوجي او الاقتصادي ولكن ايضا لكل اجماع على اي مستوى من مستويات البنية الاجتماعية.

برهان غليون


Vai alla citazione


لا بد من التخلي عن الاعتقاد السائد الذي يرجع الطائفية الى التمايز الثقافي او الديني الموجود في مجتمع من المجتمعات. فهذا التمايز الذي يوجد في كل البلدان يمكن ان يكون اساسا للغنى الثقافي والانصهار كما يمكن ان يكون وسيللة للتفتت. واذا بقينا على هذا الاعتقاد السائد اضطررنا الى البحث عن حلول للمشكلة على المستوى الثقافي وحده وهنا لن تجد اي مخرج على الاطلاق.
فالطائفة الاكبر تميل الى الاعتقاد ان تصفية التميزات الثقافية هو شرط الوصول الى اجماع يخلق الوحدة والانصهار. وتكمن وراء ذلك فكرة ان فقدان الاجماع السياسي مصدره غياب اجماع فكري او ديني بينما العكس تماما هو الصحيح. والبعض يمكن ان يفكر ان هذا وحده يمكن ان يساعدنا على ان ننتقل من الصراع الطائفي الى الصراع الطبقي ويفتح من ثم طريق التغيير والتحول والتقدم. اما الطوائف الصغرى فتميل ايضا, من نفس المنطلق الى تضخيم مشكلة التمايز الثقافي وتأكيدها لتحويلها الى مشكلة هوية شبه قومية مصغرة واداة سياسية وتعويض عن السلطة الفقودة كفردوس. وهذا يعكس في الحقيقة ميل الصراع الاجتماعي في مثل هذا المجتمع بشكل عام الى ان يحافظ على شكله كصراع عصبوي ودائري.

برهان غليون


Vai alla citazione


من هنا العجز عن الانقال الى دولة حديثة بالمعنى الغربي. فقد بقيت الدولة الحديثة سلطة مضافة الى الامة , لا دولة الامة. وغالبا ما اصبحت الوحش الذي يفترس الحريات الفكرية والسياسية وينهب اقتصاد الامة, اي يفترس حرية الافراد وينهب اقتصاد الجماعات. وليس للشكل السياسي السائد هنا اية قيمة جوهرية. فحتى عندما كانت هذه الدولة برلمانية على الطريقة اللبنانية لم تكن تشكل على الاطلاق اطارا جماعيا بالمعنى الايجابي للكلمة. ولم تكن قادرة على بناء الاطار الفكري والسياسي والاداري الذي يوحد الجماعة ويبني اجماعا قوميا, وانما بقيت تعني نفي كل وجود فعلي للدولة واحلال التسوية القبلية بين عصبويات محل الحلول الوطنية.

برهان غليون


Vai alla citazione


انحلال العلاقات التفليدية للعصبية اذا لم يسنده ظهور عصبية جديدة اعلى او اسمى تعطي للفرد المنفصل عن الاسرة او العشيرة او الطائفة شعورا بالحماية والامن والمساواة, يظهر كما لو انه تخل عن الذات وتشريد واستلاب وضياع محض. فالفرد بحاجة الى اطر اجتماعية تستطيع ان تستوعب حاجاته ومشاعره وتقدم له بين افراد الجماعة وضعية يرضى عنها ومعايير يقيس ذاته بها ووسائل تتيح له تحقيق هذه الذات وتنميتها, فهذا التحقيق لا يمكن ان يكون الا جماعيا.

برهان غليون


Vai alla citazione


ليس المقصود وليس الحتمي ان تسير جميع المجتمعات الغربية ابدا. ولا تبدأ المشكلة الا عندما نعتقد ان هناك خطا واحدا للتاريخ يسير بالجماعات من العبودية الى الاقطاع الى الرأسمالية الى العقلانية الى الحرية والى الديمقراطية والقومية, ونفرض على انفسنا خطط المسيرة الاوروبية ذاتها فنفشل حتما ليس فقط في الوصول اليها ولكن ايضا في الوصول الى اجماع قومي والى وحدة قومية من اي نوع كان.

برهان غليون


Vai alla citazione


نستطيع ان نقول اكثر من ذلك ان الدولة - الامة اي الدولة القومية فعلا لا يمكن ان تقوم الا اذا كانت دولة تبني شرعيتها على تحقيقها للمطابقة والتماثل الثقافيين للجنس او للعرق. بل على دعوة اجتماعية قابلة للتحقيق ولتقديم الحلول والوسائل الكفيلة بتنظيم الحياة الاجتماعية وتقدم الجماعة. والدولة القومية التي تربط شرعيتها وتقدم شعبها بمجرد كونها مطابقة في حدودها لحدود التجانس الثقافي او العرقي, تلغي اسس شرعيتها كدولة, اي كمؤسسة سياسية تتجاوز التمايزات الثقافية والجنسية في المجتمع المدني, ولا تقوم الا بهذا التجاوز. والدولة التي تفترض نفسها الانعكاس المباشر للجماعة. او للمجتمع المدني, هي بالضبط الدولة التي تغطي فشلها السياسي بانغلاقها الثقافي, اي تغطي عجزها عن ان تكون سلطة فوق المجتمع المدني بتسمية نفسها دولة الشعب, وبالانخراط في المجتمع المدني نفسه وفي تناقضاته. وذلك بدل الارتفاع الى المستوى الذي يسمح بحل هذه التناقضات وتسويتها.

برهان غليون


Vai alla citazione


لكن هذه المطابقة الثقافية التي تتولد كمسعى لتحقيق اجماع قومي من نمط ثقافي ليست الاجماع الديني الذي كانت تعرفه الدولة التقليدية .. فالمطابقة لا تحدث الا في اطار الدولة الحديثة كعملية اعادة تثمير سياسي للاجماع الديني الماضي. لان نشوؤ الدولة الحديثة يحطم اساسا قاعدة الاجماع القومي الثقافي القائم على استقلالية المجتمع المدني وهامشية الدولة. لذلك تجعل المطابقة التعصب بينما يقوم الاجماع الديني على وجود اغلبية اجتماعية ثقافية, ويقبل الاختلاف والاجتهاد ويرفض التماثل والسديمية. وهو اجماع قابل للتغير والتبدل مع تغير الظروف. ولا ينكص الدين الى حالة تعصبية الا عندما يؤدي التطور الاقتصادي والتفاوت الشديد بين الطبقات الى تحطيم وحدة العقيدة والتهديد بفقدان القدرة على انجاب اجماع قومي ثقافي. عندئد يغلق الاجتهاد وتحاول الجماعة ان تحفظ مظاهر الاجماع دون ان تصل الى تحقيقه فعلا. وعند ذلك تبدأ حقبة الاستبداد الحقيقي وتظهر امكانية تكوين سلطة مطلقة وفردية خارجة عن رقابة الجماعة والعلماء معا.

برهان غليون


Vai alla citazione


ان الدولة (او المجتمع السياسي) لا تصبح ضرورية كعملية خلق للسلطة المجردة العليا الا لان التناقضات التي خلقها الثقافة والمصالح الاقتصادية المتعارضة في داخل المجتمع المدني, لا يمكن ان تجد حلها الا خارج هذا المجتمع, وفي اطار يخضع لقوانين اخرى هي قوانين الوحدة والائتلاف. فالسياسة تجنح الى المركزة والتجريد في حين ان الثقافة والاقتصاد يجنحان الى البعثرة والتنويع والتعارض. اما عندما تسود المجتمع المدني وحدة سديمية ثقافية واقتصادية تعكس التجانس العقلي المطلق بين الافراد, وظروف العمل والمعيشة المتماثلة ايضا, فلن يكون هناك حاجة للدولة او للسياسة. وهذا يمكن ان يحصل كفرضية نظرية في مجتمع كفاف مطلق.

برهان غليون


Vai alla citazione


للثقافة العليا وظيفة اساسية هي تحقيق شرعية السلطة. وهذه الشرعية تستند الى الاجماع الذي يشرطه الانخراط الطوعي للاغلبية في لائحة قيم مشتركة. وهذا الاجماع ضروري لبروز سلطة اغلبية. فاذا فقدت الثقافة العليا الشمولية والقومية التي تتجاوز التمايزات الثقافية, فقد الاجماع ولم يبق للسلطة اي اساس تقوم عليه الا بميزان القوى والغلبة. وفقد التطابق من ثم بين الثقافة والسلطة وفقدت الطبقة السائدة او النخبة السائدة وحدتها.

برهان غليون


Vai alla citazione


الجماعة تتكون من قوى اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة ومتعارضة بالضرورة والا لما كان هناك حاجة لا للسياسة ولا الثقافة. وبقدر ما تستطيع الجماعة ان تجد حلولا للتناقضات التي تختمر في حجرها, تستطيع ان تقيم وحدتها السياسية والثقافية. لكن هذه الحلول ليست متماثلة دائما. فيمكن لوحدة الجماعة ان تستند الى غلبة فئة على الفئات الاخرى. واكثر الاشكال تجسيدا لذلك هو الحكم الاجنبي. وآلية الاستعمار الاجنبي والاستعمار الداخلي واحدة في الحقيقة. الا ان هذه الوحدة المفروضة بالغلبة لا تستطيع ان تقاوم المعارضة الداخلية الى ما لا نهاية, واذا حدث ونجحت في مقاومتها هذه فرضت على الجماعة التقهقر الكامل والفناء. والجماعة التي تستطيع ان تقيم وحدتها على اجماع قومي يعكس قبول الاغلبية للسلطة القائمة وانتمائها الطوعي للقيم الثقافية السائدة هي التي تتحول الى امة, حيث تتوثق وتتعمق روابط الجماعة السياسية والثقافية ويتغلب عامل التضامن والتكاتف الداخلي على عامل التفرقة والانقسام والمواجهة. وجوهر هذا الاجماع ثقافيا كان ام سياسيا هو اشراك الاغلبية في السلطة, اي في صياغة القرارات التي تتعلق بمصلحة الجماعة ككل. ويزول الاجماع بزوال المشاركة وبظهور الاستبعاد الثقافي او السياسي. ونوع هذا الاستبعاد للفئات المكونة للجماعة هو الذي يحدد شكل الاستبعاد القائم.

برهان غليون


Vai alla citazione


« prima precedente
Pagina 7 di 9.
prossimo ultimo »

©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab