كيف لم نتنبه لهذا؟ كيف لم ندرك أن السجود لله يتضمن أيضا ذلك العناق المليء بالود للأرض، موضع الخلافة، مناط التكليف؟ الأرض التي خلقها الله لنا وخلقنا بهذا الشكل والسوية لنكون لها؟
أحمد خيري العمريهذه الرؤية التي ترى أن الأرض هي "مرعى" يجب المحافظة عليه بقدر ما يجب استثمار كنوزه، هي رؤية معاكسة ومضادة تماما لرؤية الحضارة السائدة الآن، التي هي رؤية تعتمد على مبدأ "قهر الطبيعة"، "غزو الفضاء"، ناطحة السحاب". وكلها تعبيرات تحتوي في داخلها على رؤية هذه الحضارة للطبيعة وتعاملها معها، تعامل قائم على أن هذه الأرض تضم موردا للربح يجب اغتنامه بأقصى وأقسى طريقة، ولو باستنفادها، ولو بنهب ما للآخر وسلبه، ولو بتدمير وتخريب توازنها ومنظومتها عبر استنفاد جزء وتخريب آخر. إنها الرؤية التي تنطلق من مفهوم أنهم "قادرون عليها"، والتي تتصرف على هذا الأساس، حتى لو انتهت بدمار لاحق بموعد آجل.
أحمد خيري العمريوالذي أخرج المرعى: تشير إلى كل ما وضعه الله عز وجل في باطن الأرض مما يمكن إخراجه ورعايته واستثماره من أجل إنماء العالم وتحسينه وصياغته بشكل أفضل. إنها تشير إلى كل الثروات التي أودعها الله في الأرض التي وضع فيها الإنسان خليفة. وكل ما قامت عليه كل الحضارات - حضارات العلو كما حضارات الاستخلاف - كلها قامت على الاستثمار في وديعة الثروات هذه، ورعايتها، بفارق أن حضارات العلو ستستخدم في علوها واستعلائها، ويتحول الاستخدام هنا مع الوقت، من "مرعى" إلى استنفاد إلى غثاء أحوى.
أحمد خيري العمريالسجود، كهيئة، يترك أثرا كالندبة على الجبهة.
أما السجود، كقضية تعيش من أجلها، تتنفسها بكل أعماقها، بكل أعماقك، فهو يترك أثرا أعمق وأوضح من الندبة على الجبين.
إنه أثر على الوجه كله. وليس على الجبين فقط.
الحياة مستمرة. وسوف تظل مستمرة. رغم الأحزان, رغم الأوهام, رغم .. الخذلان!
أحمد خيري العمريإن هناك أداء للصلاة لا يكتفي بعدم الإثمار، بل يتجاوز ذلك إلى نقيضه الذي لا أريد أن أسميه.
كيف؟
يحدث ذلك عندما تؤدَّى الصلاة لمجرد إسقاط الفريضة، تؤدى فقط تكفيرا لما بينها من ذنوب، فتكون سببا لتراكم الذنوب، تؤدى لتكون تبريرا للإبقاء على الوضع على ما هو عليه، بحجة أن فعل الصلاة بحد ذاته أفضل من لا شيء.
الإنسان الطيب؟ الذرية الطيبة؟ لا يرتبط الأمر الآن بإنسان يسير بالقرب من الحائط، وبذرية تقدم السمع والطاعة، ولا تتقن أكثر من احترام الأب وتقبيل يده.
الآن صار الأمر مرتبطا بإنسان مثمر، إنسان منتج، إنسان مليء بالإمكانيات الكامنة التي يمكن أن تغير العالم.
السلام له معنى لا يمكن اختزاله بالمعنى السكوني الذي "سكنت" عليه أفهامنا، والذي يختصره البعض بتصويره أنه محض "لا عنف".
السلام هو التخلص من الآفات. عملية التخلص هذه ليست بالضرورة تأملا ذهنيا، وجهادا داخليا (على أهمية ذلك على المستوى الداخلي النفسي)، لكن الوصول إلى السلام على المستوى الخارجي - مستوى المجتمع والجماعات والأفراد في علاقاتهم مع بعضهم بعضا - قد يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، قد يتطلب صراعا بين مؤسسات أو أفراد تمكنت منهم آفاتهم حتى صاروا هم آفات ينبغي استئصالها.
قد يشكل ذلك صراعا أو صداما أو تدافعا.
وقد يكون هناك دم.
من أجل السلام، السلام الحقيقي الذي هو التخلص من النقائص والآفات. قد يكون هناك بعض الدم، بعض العنف.
إنها طبيعة الأشياء.
ولهذا يجب الانتباه هنا إلى أن ليس كل من علا في الأرض وتمكن فيها قد "ورثها"، ومن ثم ليس كل من علا وتمكن في الأرض هو من عباد الله الصالحين. ذلك أن في كل عصر وزمان هناك فرعون ما وحضارته، يمارسون علوا في الأرض وحيازة لها، مما قد يجعل البعض - بدوافع من عقدة النقص تجاه المنتصر وعقيدته - يعتقد ويروج لاعتقاده، بأن كل من "يعلو" في الأرض هو من عباد الله الصالحين بطريقة ما، ما دام قد تمكن من السنن. والحقيقة أن العلو غير الإرث والاستخلاف، رغم تشابههما الظاهري.
أحمد خيري العمريإنه إصبع واحد من أصل خمسة أصابع، وهو يرتفع عند نطقنا بالشهادة.
ألا يبدو ذلك واضحا؟ إنه الركن الأول. نرفع إصبعا واحدا هنا. بقيت أربعة أصابع وبقيت أيضا أربعة أركان، لن نرفع أصابعنا فيها، بل سنعمل بأيدينا، برؤوسنا، بكل ما فينا، من أجل إقامتها.
« prima precedente
Pagina 40 di 45.
prossimo ultimo »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.