وسنظل نكرر ونلح في تكرارنا أن أزمة العالم الإسلامي منذ زمن طويل لم نكن أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار، ومالم يدرك هذا العالم تلك الحقيقة إدراكاً واضحاً، فسيظل داء الشبيبة العربية الإسلامية عضالاً، بسبب تخلفها عن ركب العالم المتقدم. ص117
مالك بن نبيولقد يحدث أن يخطئ الفتى المسلم في تقديره للمشكلات والأشياء، فهو غالباً ما يخطئ عندما يعتقد أن الذي ينقصه في وضعه الراهن إنما هو الصاروخ، أو على الأقل البندقية التي يؤدي بها كما يتوهم واجبه العاجل.
فضميره هنا قد أصيب بانحراف ، لأنه يحسب حساب حضوره الفذ وسط عالم يشعر بأنه لا مكان له فيه ، ولكنه يفسر أصل دائه تفسيراً خاطئاً حتى يعزوه إلى نقص ( أشياء ) كثيرة في حياته ، على حين أن ما ينقصه إنما هو ( الأفكار ) . ص117
علاج أي مشكلة يرتبط بعوامل زمنية ونفسية، ناتجة عن فكرة معينة، تؤرخ من ميلادها عمليات التطور الاجتماعي، في حدود الدورة التي ندرسها. فالفرق شاسع بين مشاكل ندرسها في إطار الدورة الزمنية الغربية، ومشاكل أخرى تولدت في نطاق الدورة الإسلامية.
فالمشكلة التي أحاول درسها في هذا المؤلَّف ليست من المشاكل التي تخص عالم (1948م)، بل هي من المشاكل التي تخص عالم (1367هـ)، وإنني لأخشى ألا يعجب قولنا هذا بعض من تعودوا النشوة بالكلمات العذبة، أو ألفوا الاقتناع بالحلول المجربة في أمة من الأمم.
إن النشاط الاجتماعي والثقافي لفكرة ما، مرتبط في الواقع ببعض الشروط النفسية الاجتماعية التي بدونها تفقد الفكرة فاعليتها.
ّّ...
فالفكرة من حيث كونها فكرة ليست مصدراً للثقافة، أعني عنصراً صالحاً لتحديد سلوك ونمط معين من أنماط الحياة، فإن فاعليتها ذات علاقة وظيفية بطبيعة علاقتها بمجموع الشروط النفسية الزمنية، التي ينطبع بها مستوى الحضارة في المجتمع؛ وهو مستوى قد يتغير بطريقتين:
فهو عندما يرتفع تعرض له في الطريق أفكار ليست من بين القوى الجوهرية التي نتجت عنها الحركة التاريخية، فإذا بهذه الأفكار تتقادم ثم تختفي؛ ففكرة حجر الفلاسفة التي كانت من أكبر دوافع الفكر العلمي خلال العصر الوسيط، هذه الفكرة قد ماتت منذ أعلن (لافوازييه) نتائج أبحاثه الكيميائية.
وهو عندما يهبط تنقطع صلة بعض الأفكار بالوسط الاجتماعي ذاته، أعني أنها تنقطع من منابع خلقية وعقلية صدرت عنها، فتكسب هذه الأفكار وجوداً صناعياً غير تاريخي، وبذلك تفقد كل معنى اجتماعي.
ومن أمثلة ذلك أن تراث ابن خلدون قد ظهر في العالم الإسلامي، وهو مع ذلك لم يسهم في تقدمه العقلي أو الاجماعي، لأن هذا التراث في ذلك العصر كان يمثل فكرة لا صلة لها إطلاقاً بالوسط الاجتماعي.
ومهما يكن من شيء، فليست الفكرة في تلك المرحلة هي التي تفقد وحدها معناها الثقافي وقدرتها على إبداع الأشياء، بل إن الشيء نفسه يفقد أيضاً مقدرته على إنتاج الأفكار.
وخذ مثلاً على ذلك تفاحة (نيوتن) الشهيرة، وتخيل ما كان يمكن أن تؤديه لو أنها بدلاً من أن تقع على رأس ذلك الرياضي الكبير وقعت على رأس جده الذي عاصر عهد جيوم الفاتح؟
إن من المؤكد أنها لم تكن لتخلق فكرة الجاذبية، بل كانت ستكون حينئذ كومة صغيرة من الروث بعد أن يأكلها جد (نيوتن) بكل بساطة.
فقد بان إذن أن الفكرة والشيء لا يكسبان قيمة ثقافية إلا في ظل بعض الشروط.
إن الإستعمار ليس مجرد عارض، بل هو نتيجة حتمية لانحطاطنا
مالك بن نبيأي إخفاق يسجله مجتمع في إحدى محاولاته إنما هو التعبير الصادق عن درجة أزمته الثقافية
مالك بن نبيومن الطبيعي أن الغرائز لا تتحرر دفعة واحدة، وإنما هي تنطلق بقدر ما تضعف سلطة الروح.
مالك بن نبيلقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة، ونسينا الواجبات
مالك بن نبيإن وقتنا الزاحف صوب التاريخ، لا يجب أن يضيع هباء، كما يهرب الماء من ساقية خربة.
مالك بن نبي« prima precedente
Pagina 12 di 12.
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.