كان و هو يمشى فى الشمس الدافئة و ينظر إلى الأسراب الكثيرة الملونة الغنية المتداخلة الأجناس ، تتملكه رغبة واحدة : أن يستمر فى الطيران ، و ان يظل إلى الأبد معلقاً بين السماء و الأرض . و كان يأبى أن يتخلى عن عاداته ، عن الطيران و عن الحياة بطريقته .
ذات يوم ، و كان الربيع مرة أخرى ، شعر أن قواه تعاوده أكثر من أيام ماضية ، و شعر أنه يريد أن يطير إلى أماكن بعيدة ، و كان يريدها ان تطير معه . نفض ريشه ، دار حولها ، قرقر ، قال لها أن الفضاء المكان الوحيد الذى يستطيع أن يراها فيه ملكة ؛ و لما رفضت أن تطير ، همس فى أذنها أنه لا يستطيع أن يبقى على الأرض و يجب أن يطير . مشى بأبهة الملوك ، بثقتهم ، بقوتهم ، ثم انطلق . دار فى الجو دورات كثيرة . دار و نظر إلى الأرض ، و كانت حواليه الأسراب الكثيرة و هى تطير مفتونة ، إنها احدى المرات التى يشعر أنه امتلك كل شئ ، ان تتطلع فى عينيه لتكشف الآفاق التى وصل إليها ، الأشياء الرائعة التى رآها ، لكنها لم تكن هناك . استراح قليلاً و هبط و بحث عنها . كانت فى الزاوية ، الزاوية نفسها التى جلس فيها أوَّل مرة . كانت هناك ، اقترب ، نظر إليها بتساؤل ، التفت إلي الناحية الثانية ، دار حولها ، استدارت . دار حولها مرة أخرى ، جلب لها بعض الحبوب لتأكل ، نظرت إليه بحزن و استدارت مرة اخرى . و حين خيَّمت الظلمة هبت معها ريح باردة . اقترب منها ليدفئها ، اقتربت منه ، حاولت ان تنام تحت جناحيه ، ان تتحد به ، و حين غفا هبت ريح باردة و شعر أنه يقترب منها ، و انه يتحد بها ، و ناما .
فى الصباح ، رفض أن يصدق ، دار حولها ، قرقر أكثر من أية مرة ، انتفض ، استعمل قدميه و منقاره ، ضرب جناحيه بالجدار ، و حين فتح باب القفص ، بدأت نسمات الصباح تمتلئ بالدفء .
بدت ساكنة حين دبت الحياة فى كل شئ . دار حولها ، دار مرة أخرى ، لكنها ظلت باردة ، ثم بعد قليل بدأت تجف .
خرجت الأسراب ، خرج الصغار و الكبار ، و ظلت فى مكانها . و حين جاءوا نظروا إليها بأسف ثم أخرجوها من هناك ، مشى وراءهم حتى نهاية القفص ، أما حين نظر فى عيونهم ، و امتلأ بتأكيد أخرس ، فقد تراجع بذعر إلى الزاوية نفسها .
و فى الزاوية نفسها ، بعد ثلاثة أيام ، حملوه من هناك . كان يابساً ، و تساقط منه ريش كثير من العرف و الساقين و هو يُرمى بعيداً
كنت أريد أن أجدد نفسي .. أن أبدو إنسانا لا علاقة له بالحزن !
عبد الرحمن منيفهناك أشياء تأتي مرة واحدة، فإذا استطاع الانسان أن يقبض عليها، أن يجمّدها، أو أن يمجّدها، تصبح ملكه، شيئا خاصا به، أمّا إذا أفلتت ثم تراجعت أو توارت، فإنّها تذهب إلى الفناء، أو تصبح ملك غيره.
عبد الرحمن منيفالمنفى..
المكان البارد،الموحش،الذي يُشعرك دائماً أنك غريب،زائد،وغير مرغوب فيه؛المكان الذي تفترضه محطة،أو مُؤقتاً،فيصبح لاصقاً بك كالعلامة الفارقة.وربما لأنه مؤقت يصبح وحده الأبدي،كالقبر،لا يمكن الهروب منه أو مغادرته.
حتى الفرح والمسرات الصغيرة،وأيضاً الانتصارات العابرة أو الموهومة،إن لها في المنفى مذاقاً مختلفاً:انها ليست لك. انها مؤقتة،هشة،وتتحول بسرعة إلى حزن كاوٍ،وإلى بكاء لا يعرف التوقف.
أما كيف تذوب وتتراجع كالحلم،ولا تشبه مثيلاتها التي تحدث في الوطن،فإن الأمر سراً يستعصي على الفهم أو التفسير.
Stichwörter: المنفى-الوطن
ثمّة لحظات يشعر الإنسان فيها أنهُ عارٍ، أو أنهُ يرتكب إثمًا ولا يريد أحدًا أن يرى عريه أو يراهُ وهوَ يرتكب الإثم، في مثل هذه اللحظات يكون الإنسان قاسيًا ومجنونًا بإتجاهةنفسه وإتجاه الآخرين.
عبد الرحمن منيفأشياء كثيرة يتعلمها الإنسان في وقت مبكر، ويتصورها يقينًا لا يقبلُ الشك، لكن الحياة تعلمه أن ذلك اليقين مجرد وهم.
عبد الرحمن منيفثمّ علمتها الحياة، لأنَ من يعطي كثيرًا وبسرعة لا يبقى لديه ما يُعطيه، والناس دائمًا ينتظرون المزيد.
عبد الرحمن منيفمن الصعب أن نعزو ظواهر معينة كالألفة أو الصداقة مثلًا إلى أسباب مباشرة أو محددة، كما أنها ليست نتيجة الرغبة.
المسألة أكثر تعقيدًا من ذلك، إنها ترتبط بالعقل غير الواعي، أو بمنطقة الظل كما يسميها العلماء وفي منطقة الظل بالذات تعمل قوى لا ندركها، تمامًا كما يعمل القلب دون إرادة الإنسان ودون رغبته، وهذه القوى هي التي تكوّن عواطف البشر ونوازعهم وحتى عقولهم..
هل يمكن ليديك ان تستقبلا رجلاً سقط و يحاول من جديد, حتى بعد سقوطه, ان يتطهر؟
عبد الرحمن منيفStichwörter: inspirational
ساعطيكم جسدي, اما ارادتي فقد تعلمت في رحلة الظلمة كيف أجدها مرة اخرى.
عبد الرحمن منيفStichwörter: inspirational
« erste vorherige
Seite 32 von 34.
nächste letzte »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.