والله إنّ النصر فوق الرؤوس ينتظر كلمة " كن " فيكون ، فلا تشغلوا أنفسكم بموعد النصر ، انشغلوا بموقعكم بين الحق و الباطل .
Sayyid Qutbعندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة ضئيلة قصيرة، تبدأمن حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود...
أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الانسانية وتمتد بعد مفارقتنا لهذة الأرض!
إن الشر ليس عميقا في النفس الانسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء.. فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية.. هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمان من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى اخطائهم أو على حماقتهم كذلك... وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون..
Sayyid Qutbوهذه الموازنات الموضوعية بين النظام الإجتماعي الإسلامي وسائر النظم الإجتماعية الأخرى هي الطريقة الجدية الوحيدة التي تستحق الاحترام، والتي تتفق مع المنطق العلمي.. أما رفض ذلك النظام لمجرد أنه وضع - أول ما وضع قبل أربعة عشر قرنا - دون نظرة موضوعية فيه، ودون موازنة موضوعية بينه وبين سواهن فذلك تصرف لا يستحق الاحترام العقلي، ولا يركن إليه رجل يحترم عقله ويتكلم بغير طريقة الببغاوات!
Sayyid Qutbعلى أن هذه المهمة التي أناط بها الله الأمة المسلمة، ليست هي مجرد هداية الناس إلى الخير الذي جاء به الإسلام وحماية العقيدة الإسلامية وأصحابها، إنما هي أكبر من ذلك وأشمل.. إنها كذلك حماية العبادة والاعتقاد للناس جميعا، واستبعاد عنصر القوة المادية من ميدان الاعتقاد والعقيدة، وحماية الضعفاء من الناس من عسف الأقوياء، ودفع الظلم أيا كان موقعه وأيا كان الواقع عليه، وكفالة القسط والعدل للبشرية كافة، ومقاومة الشر والفساد في الأرض بحكم الوصاية الرشيدة التي ناطها الله بهذه الأمة إذ يقول:
" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعرف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"
"كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس يكون الرسول عليكم شهيدا"
وكذلك نرى أن المهمة التي ناطها الله بالمسلمين، والمشاق التي تعترض طريقهم لأداء تلك المهمة تقتضي ذلك التضامن المطلق على أساس الفكرة التي تجمعهم، وتقوم منهم مقام الجنس والوطن والدم والنسب لأن عليهم واجبا أبعد وأكبر من هذه الصلات كلها مجتمعة.
والانسان هو الانسان منذ نشأ في حاجة إلى عقيدة تعمر قلبه، عقيدة تفسر له الحياة وتربط بينه وبينها، وتشغله بما هو أبعد من شخصه وأكبر من ذاته على نحو من الأنحاء..
Sayyid Qutbفلما أن ابتلاهم الله فصبروا، ولما أن فرغت نفوسُهم من حظ نفوسِهم، ولما أن علم الله منهم أنهم لا ينتظرون جزاء في هذه الأرض - كائنًا ما كان هذا الجزاء، ولو كان هو انتصار هذه الدعوة على أيديهم، وقيام هذا الدين في الأرض بجهدهم - ولما لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجد ولا قوم، ولا اعتزاز بوطن ولا أرض، ولا اعتزاز بعشيرة ولا بيت.. لما أن علم الله منهم ذلك كله، علم أنهم قد أصبحوا -إذن- أمناء على هذه الآمانة الكبرى.. أمناء على العقيدة، التي يتفرد فيها الله -سبحانه- بالحاكمية في القلوب والضمائر، وفي السلوك والشعائر، وفي الأرواح والأموال، وفي الأوضاع والأحوال.. وأمناء على السلطان الذي يوضع في أيديهم ليقوموا به على شريعة الله ينفذونها، وعلى عدل الله يقيمونه، دون أن يكون لهم من ذلك السلطان شيء لأنفسهم، ولا لعشيرتهم، ولا لقومهم، ولا لجنسيتهم. إنما يكون السلطان الذي في أيديهم لله، ولدينه وشريعته، لأنهم يعلمون أنه من الله، هو الذي آتاهم إياه
Sayyid Qutbلقد كان القرآن ينشئ قلوباً يُعدها لحمل الامانة، وهذه القلوب كان يجب ان تكون من الصلابة والقوة والتجرُد بحيثُ لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء وتتحمل كل شيء- الى شيء في هذه الارض ، ولا تنظر الا للاخره ، ولا ترجو الا رضوان الله .. قلوب مستعده لقطع رحله الارض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت .. بلا جزاء في الارض قريب .. ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة وغلبة الاسلام وظهور المسلمين .. بل لو كان هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم اخذ عزيز مُقتدر .
حتى اذا وجدت هذه القلوب التي تعلم ان ليس امامها في رحلة الارض الا ان تُعطي بلا مُقابل -اي مُقابل- وأن تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل . حتى اذا وُجدت هذه القلوب وعلم الله صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت آتاها النصر في الارض وائتمنها عليه .. لا لنفسها ، ولكن لتقوم بأمانه المنهج الإلهي وهي اهل لاداء الامانة منذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه ، ولم تتطلع الى شيء من المغنم في الارض تُعطاه .. وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه .
فالظاهر أن الجنس واللون والقوم والأرض لا تمثل الخصائص العليا للإنسان .. فهو يملك - بمحض إرادته الحرة - أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته ، ولكنه لا يملك أن يغير لونه ولا جنسه ، كما إنه لا يملك أن يحدد مولده في قوم ولا في أرض .. فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي مثل العقيده والفكر ومنهج الحياه هو المجتمع المتحضر .. اما المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية مثل الجنس او اللون او القوم او الأرض فهـو المجتمع المتخلف .. أو بالمصطلح الإسلامي .. هو " المجتمع الجاهلي " !
Sayyid Qutbوالله _ سبحانه _ يعلم كل ما يكون قبل أن يكون ،ولكنه يريد المكنون الناس حتى يحاسبهم عليه ويأخذهم به ،فهو لرحمته لا يحاسبهم على ما يعلمه من أمرهم بل على ما يصدر عنهم ويقع بالفعل عنهم
Sayyid Qutb« first previous
Page 6 of 8.
next last »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.