إن الانفعالات في مجتمعنا لا يحدث لها تشجيع بصفة عامة. وبينما ليس هناك شك في أن أي تفكير خلاق -وكذلك أي نشاط خلاق آخر- مرتبط لا محالة بالانفعال، فقد أصبح من المثاليات أن نفكر وأن نعيش بالانفعالات. أن تكون "منفعلًا" قد أصبح مرادفًا لأن تكون لست متزنًا أو لست على ما يرام. والفرد بتقبله هذا المعيار قد أصبح ضعيفا إلى حد كبير.
لقد افتقر تفكيره وتسطح. ومن جهة أخرى، لما لم يكن في الامكان قتل الانفعالات تمامًا، فإنه لا بد من أن يكون لها وجودها بعيدًا عن الجانب العقلي من الشخصية، والنتيجة هي العاطفة الرخيصة وغير المخلصة التي تغذي بها السينما والأغنيات الشعبية ملايين من الزبائن المحرومين من العواطف.
إن معظم الناس مقتنعون بأنه طالما أنهم ليسوا مضطرين صراحة إلى عمل شيء بسبب قوة خارجية، فإن قراراتهم هي قراراتهم وأنهم إذا أرادوا شيئا فانهم هم الذين يريدونه. ولكن هذا هو أحد الأوهام الكبرى التي لدينا عن أنفسنا. إن عددا كبيرا من قراراتنا ليست حقا قراراتنا، بل أوحى بها لنا من الخارج، لقد نجحنا في اقناع أنفسنا بأننا نحن الذين نصنع القرار بينما نحن في الحقيقة نتطابق مع توقعات الآخرين مساقين بالخوف من العزلة وبتهديدات مباشرة أكثر إزاء حياتنا وحريتنا وراحتنا.
Erich Frommاننا فخورون باننا لسنا خاضعين لاية قوة خارجية, واننا احرار في التعبير عن افكارنا ومشاعرنا ونحن نأخذ بثقة ان هذه الحرية تكاد تضمن على نحو تلقائي آلي فرديتنا. وعلى اية حال, فان حق التعبير عن افكارنا لا يعني شيئا الا اذا كان قادرين على ان تكون لنا افكار من انفسنا, ان التحرر من السلطة الخارجية هو مكسب اخير اذا ما كانت الظروف السيكولوجية الباطنية هي بشكل يمكننا من تأسيس تفرديتنا. فهل نحن حققنا ذلك الهدف او اننا على الاقل نقترب منه ؟
Erich FrommOur contemporary Western society, in spite of its material, intellectual and political progress, is increasingly less conducive to mental health, and tends to undermine the inner security, happiness, reason and the capacity for love in the individual; it tends to turn him into an automaton who pays for his human failure with increasing mental sickness, and with despair hidden under a frantic drive for work and so called pleasure.
Erich Frommهذا الفقدان للذاتية لا يزال يزيد من طابع الارغام على التطابق, انه يعني ان الانسان لا يستطيع ان يتأكد من نفسه الا اذا عاش حسبما يتوقع الآخرون. واذا لم نعش حسب هذه الصورة فاننا لا نخاطر فحسب بالاستهجان والعزلة المتزايدة, بل نخاطر بفقد ذاتية شخصيتنا التي تعني تعرض سلامتنا العقلية للخطر.
Erich Frommالصعوبة الخاصة في ادراك الى اي مدى لا تكون فيه رغباتنا -وافكارنا ومشاعرنا بالمثل- حقا رغباتنا بل وُضعت فينا من الخارج مرتبطة ارتباطا وثيقا بمشكلة السلطة و الحرية. في سيرورة التاريخ الحديث حلت محل سلطة الكنيسة سلطة الدولة وحلت محل سلطة الدولة سلطة الضمير وفي حقبتنا الراهنة حلت محل سلطة الضمير السلطة المجهولة للحس المشترك العام والرأي العام كأدوات للتطابق. ولاننا قد حررنا انفسنا من الاشكال الصريحة القديمة للسلطة فاننا لا نتبين اننا اصبحنا فريسة نوع جديد للسلطة. لقد اصبحنا آلات آلية نعيش في ظل وهم الافراد ذوي الارادة الذاتية. هذا الوهم يساعد الفرد على ان يظل غير مدرك لعدم زعزعته, ولكن هذا هو كل العون الذي يستطبع وهم ان يمنحه. ونفس الفرد ضعيفة اساسا, حتى انه يشعر بالعجز والزعزعة الشديدية. انه يعيش في عالم فقد فيه التعلق الاصيل به والذي فيه قد اصبح كل شيء وكل شيء مصطبغا بصبغة الاداة التي تؤدي عملها بلا تفكير حيث اصبح جزءا من آلة بنتها يداه. انه يفكر ويشعر ويريد ما يعتقد انه مفروض فيه ان يفكر فيه ويشعر به ويريده, وفي هذه العملية ذاتها يفقد نفسه التي عليها يجب ان ينبني كل أمان أصيل لفرد حر.
Erich Frommلقد زاد فقدان النفس من ضرورة التطابق, فقد ترتب على هذا شك عميق بذاتية الانسان. اذا كنت لا شيء, بل ما اعتقد انه مفروض فيّ - فمن "انا" ؟
لقد رأينا كيف ان الشك في نفس الانسان بدأ بتحطيم النظام في العصور الوسطى الذي كان للفرد فيه مكان لا يتزعزع بنظام محدد. لقد كانت ذاتية الفرد مشكلة كبرى في الفلسفة الحديثة منذ ديكارت. واليوم نعتقد اننا ما نحن عليه. ومع هذا لا يزال الشك قائماً حول انفسنا او لقد نما بالاحرى. لقد عبر بيراندللو في مسرحياته عن شعور الانسان الحديث هذا. انه يبدأ بالسؤال: من انا ؟ اي برهان لديّ عن ذاتيتي سوى استمرار نفسي الفيزيائية ؟ وليست اجابته مثل اجابة ديكارت - تأكيد النفس الفردية- بل انكارها: ليس لي ذاتيه, ليست هناك نفس سوى التي هي انعكاس لما يتوقع الأخرون مني ان اكون عليه: انني كما ترغب انت.
بالتطابق مع توقعات الآخرين, بالا يكون الانسان مختلفا, نخرس هذه الشكوك عن ذاتية الانسان ويتم الحصول على امان معين. وعلى اية حال يكون قد دفع الثمن غاليا. ان التنازل عن التلقائية والفردية يفضي الى انجراف الحياة ومن الناحية السيكولوجية ان الانسان الآلي بينما هو حي بيولوجيا هو ميت انفعاليا وذهنيا. بينما هو يقوم بحركات الحياة, فان الحياة تنساب من بين يديه كالرمال. ان الانسان الحديث وراء جبهة من الرضاء والتفاؤل غير سعيد في الاعماق, كحقيقة واقعة, انه على شفا اليأس. انه يتمسك يائسا بفكرة التفردية, انه يريد ان يكون "مختلفا" وليست لديه توصية اكثر من قوله:" ان الامر مختلف". ان الانسان الحديث تواق للحياة, ولكن لما كان انسانا آليا فانه لا يستطيع ان يعيش الحياة بمعنى النشاط التلقائي الذي يتخذه ويحله محل اي نوع من الاضطرابات او الاثارة: اثارة السكر والرياضة والمعايشة العنيفة لاضطرابات الاشخاص الخياليين على شاشة السينما.
Erich Frommما هو معنى حرية الانسان الحديث ؟
لقد اصبح متحررا من القيود الخارجية التي قد تمنعه من الفعل والتفكير حسبما يرى. انه حر في ان يتصرف حسب ارادته اذا عرف ما يريده وما يفكر فيه وما يشعر فيه. لكنه لا يعرف. انه يتطابق مع سلطات مجهولة ويعتنق نفسا ليست نفسه. وكلما فعل هذا شعر بعجز اشد, واضطر اكثر الى التطابق. وبالرغم من وجود قشرة تفاؤل ومبادرة, فان الانسان الحديث مقهور بشعور عميق بالعجز الذي يجعله يحدق في الكوارث القادمة كما لو كان مشلولا.
اننا اذا نظرنا الى الناس من السطح فانهم يبدون انهم يؤدون وظائفهم بشكل طيب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية, ومع هذا سيكون من الخطر تجاوز الشقاء الضارب في الاعماق والراسخ وراء قشرة التطابق هذه. اذا فقدت الحياة معناها لانها لم تعش فان الانسان يصبح يائسا.
والناس لا يموتون تماما من المسغبة الفيزيائية, كما انهم لا يموتون تماما من المسغبة النفسية بالمثل. واذا نظرنا فحسب في الحاجات الاقتصادية بالقدر الذي يهم الشخص "السوي" واذا لم نر المعاناة اللاشعورية للشخص المتوسط الذي اصبح كالذرة اذن فاننا نفشل في تبين الخطر الذي يهدد خضارتنا من اساسها الانساني: الاستعداد لتقبل اية اديولوجية واي زعيم اذا ما وعد فحسب بالاثارة وقدم بناء سياسيا ورموزا تعطي معنى ونظاما استعماريين لحياة فرد. ان يأس الانسان الآلي الانساني هو ارض خصبة للامراض السياسية الفاشية.
The task of the moral philosopher-thinker is to support and strengthen the voice of human conscience, to recognize what is good or what is bad for people, whether they are good or bad for society in a period of evolution. May be a "voice crying in the wilderness", but only if that voice remains lively and uncompromising, it is possible to transform the desert into fertile land.
Erich FrommMots clés philosopher support voice moral transform task human-conscience uncompromising
« ; premier précédent
Page 12 de 17.
suivant dernier » ;
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.