ولقد كان ربط صلاح الحكم بالوقت هو أداة الفخر الرازي في الفرار من مأزق نسبة النقص إلي الله؛ فإنه إن قيل: لو كان( الحكم) الثاني( الناسخ), أصلح من الأول( المنسوخ), لكان الأول ناقص الصلاح, فكيف أمر الله به؟ قلنا: الأول أصلح من الثاني بالنسبة للوقت الأول, والثاني بالعكس.

إن الصلاح هنا هو المبدأ التأسيسي, وأما الحكم الذي يتحقق من خلاله هذا الصلاح, فهو الحد الإجرائي; وبحسب تقرير الرازي فإن الحكم, أو الحد الإجرائي المحقق للصلاح, قد يتحول في غير وقته إلي عائق يمتنع معه تحقيق الصلاح, فيلزم رفعه بالنسخ.

الغريب, هنا, أن تجربة الجيل الأول من المسلمين تشير إلي حقيقة أنهم- ورغم انقطاع الوحي- قد رفعوا من الأحكام, ما أدركوا فيه حائلاً يمنع تحقيق الصلاح؛ وكان ذلك استناداً إلي وعيهم العميق بالمنطق الذي يحكم علاقة كل من الوحي والعقل والواقع. ولعله يلزم الإشارة, هنا, إلي ما جري بخصوص الأحكام المتعلقة بسهم المؤلفة قلوبهم, وتوزيع الغنائم علي الجند الفاتحين, والحد المفروض علي شارب الخمر وغيرها مما أدرك فيه الصحابة أن صلاحه مرتبط بوقت تنزيله, وأن شروط صلاحه قد ارتفعت, ولم تعد قائمة. فهل يقدر حمقي هذا الزمان الحكمة من وراء ذلك فيميزون بين التأسيسي والإجرائي في القرآن؟

علي مبروك

Tag: religion philosophy-of-religion



Vai alla citazione


هناك علاقة طردية بين تصور بعينه للدين وبين حجم القوة التي يوفرها للقائمين علي توظيفه سياسياً؛ وأعني أنه كلما كان الدين حرفياً وقطعياً يكون مقدار القوة التي يقدمها لهؤلاء الساعين إلي التخفي وراءه أكبر- بما لا يقاس- من تلك التي يوفرها لهم حين يكون موضوعاً لتفكير مفتوح. ويرتبط ذلك بحقيقة أن قطعية الدين وحرفيته تكون هي الأكثر مثالية في إخضاع الجمهور وقهره؛ وأعني من حيث لا يكون متاحاً له، في إطارها، إلا محض التسليم والامتثال من دون جدل أو سؤال. وإذ يقوم دعاة الإسلام السياسي بتثبيت هذا التصور القطعي للدين علي أحد المفاهيم الشائعة المستقرة في وعي الجمهور؛ وهو مفهوم القطعي الثبوت والدلالة، فإنه يلزم التنويه بما يقوم عليه هذا المفهوم من مراوغة تسوية قطعية الثبوت مع قطعية الدلالة، وذلك فيما ينتمي الثبوت إلي مجال التاريخ الذي يغاير بالكلية مجال المعني الذي تنتمي إليه الدلالة. وبالطبع فإنه لا يمكن التسوية أبداً بين ما ينتمي إلي مجال الثبوت التاريخي، وبين ما ينتمي إلي مجال المعني الدلالي؛ وبمعني أنه في حين أن أحدا لا يجادل في يقينية ثبوت القرآن؛ وبما يعنيه ذلك من إمكان- بل وجوب- التأكيد علي قطعية ثبوته، فإنه لا يمكن القول بقطعية دلالته ومعناه، لأن ذلك يعني وجوب القول بأحادية الدلالة والمعني؛ وهو ما لا يمكن لمسلم أن يقبله بخصوص القرآن.

علي مبروك

Tag: philosophy religion islamic-sciences



Vai alla citazione


فقد أدرك الرجل (يقصد نصر حامد أبو زيد رحمة الله عليه) أن القرآن قد حُوصر بشبكة من المفاهيم والتصورات التى وجَّهت عمليات فهمه وقولبتها، ووضعت لها حدوداً وآفاقاً لا تخرج عنها، واكتسبت على مدى القرون - ورغم مصدرها البشري - قداسة توازى تلك التى للقرآن ذى المصدر الإلهي. ولسوء الحظ، فإن هذا الحصار قد أضرَّ بالقرآن وبالمسلمين فى آنٍ معاً. فقد أعجز القرآن عن أن يكون مصدراً للإلهام فى عالم متغير، وأجبر المسلمين، إبتداءً من اضطرارهم للانحباس ضمن تحديدات هذه المفاهيم الراسخة، على التعيُّش عالة على غيرهم من صُنَّاع العصر والفاعلين فيه. ومن هنا ما بدا من ضرورة الانعتاق من أسر تلك التحديدات، واستعادة القرآن الحى السابق عليها، والذى كان - وللمفارقة - قرآن النبى وصحابته الأكرمين.

علي مبروك

Tag: religion philosophy-of-religion



Vai alla citazione


وبالطبع فإنه يبقى وجوب الانتباه إلى ما يؤشر عليه هذا المسعى الانعتاقى من التمييز بين "القرآن" الذى صار موضوعاً لتقليدٍ جامد تقوم عليه مؤسسة حارسة ترعاه وتحفظه، وبين القرآن المنفتح الحى السابق على رسوخ هذا التقليد، والذى تزخر المصادر القديمة بما يرسم صورة متكاملة له مما يتواتر منسوباً إلى النبى الكريم والجيل الأول من الذين تلقَّوا وحيه الخاتم. وهنا يلزم التأكيد على أن الأمر لايتعلق بأى تحول ٍ فى طبيعة القرآن ذاته، بقدر ما يتعلق بتحولٍ فى نوع العلاقة معه، وأعنى من علاقة مع القرآن كان فيها ساحة يتواصل فوقها الناس بما تسمح به مقتضيات الواقع والأفهام، إلى علاقة بات يجرى معها فرضه كسلطةً إخضاع بالأساس.

علي مبروك

Tag: religion philosophy-of-religion



Vai alla citazione


فرغم الوعي، من جهة، بضرورة وجدوى ما قام به الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" من تقنين المصحف، فإنه يبقى لزوم الإشارة إلى ما صاحب هذا العمل مما يُقال أنه الإنتقال من القرآن "الناطق" إلى القرآن "الصامت"، وبما ينطوى عليه هذا الإنتقال من إهدار ثرائه وحيويته. ومن جهة أخري، فإن ما قام به الأمويون، إبان صراعهم السياسى مع الإمام على بن أبى طالب، من رفع المصاحف على أسنّه الرماح والسيوف كان الواقعة الكاشفة عن إرادتهم فى تثبيت القرآن كسلطة حارسة لسلطانهم، وذلك بعد أن تبدى لهم جلياً أن فاعليته فى إنقاذ هذا السلطان تفوق فاعلية السيف بكثير. وغنيٌّ عن البيان أن هذا التمييز بين قرآن النبى الحى وبين القرآن المنحبس وراء التقييدات التى تفرضها السلطة، إنما يعكس ما يكاد يكون تقابلاً يعرفه دارسو الأديان على العموم بين "دين التقليد" الذى تحرسه مؤسسات السلطة لتسوس به الناس، وبين "الدين الحي" الذى يقصد إلى إذكاء الوعى وتحرير الإرادة. وإذ تحرس المؤسسة دين التقليد، لأنه يكون حارساً لها بدوره، فإن سعياً إلى تحرير الدين من سطوة التقليد، واستعادته فى انفتاحه وحيويته الأولي، سوف يعرى تلك المؤسسة مما تستر به عورتها. ومن هنا أن انتقام المؤسسة من هؤلاء الساعين إلى استعادة الدين الحى يكون قاسياً حقاً، لأن ذلك يكون بمثابة تعرية لها من غطائها الإيديولوجي

علي مبروك

Tag: religion philosophy-of-religion



Vai alla citazione


وإذ تتحول التجربة إلى «أصل» فإنها تُثْقِل على كل التاريخ اللاحق، وذلك من حيث تغدو موضوعاً للامتثال والتكرار، بدل أن تكون ساحة للتمثُّل والحوار. وإذن، فإن «الأطلقة» - وليس سواها - هي ما يُحيل تجارب البشر من «تاريخ حي» إلى «نصٍ أو أصلٍ جامد» يقف خارجه؛ على النحو الذى يكون معه أشبه بالشاهد المصمت المُعلق على قبر صاحبه، والذي لا يعرف الخَلَف اللاحق إلا التعبُّد في ظلاله. وتلك هي جوهر الممارسة السلفية؛ على أن يكون معلوماً أن هذه الممارسة لا تقف عند حدود من يُقال أنهم سلفيو هذا الزمان، بل تتجاوزهم إلى من يُقال أنهم حداثيوه أيضاً. و سواء مورست هذه «الأطلقة»، تحت يافطة الدين أو العلمانية، فإنها تمثل خطراً داهماً على الدولة

علي مبروك

Tag: religion secularism philosophy-of-religion



Vai alla citazione


إذا كان القرآن قد تنزل بما هو أحد تجليات المعرفة الإلهية المتعالية‏،‏ فإنه يبقي أن كل ما يصدر عنه من معرفة تتمثل في منظومات‏(‏ التفسير والفقه والعقائد والأصول وغيرها‏),‏ إنما يكون من قبيل‏(‏ المعرفة الإنسانية‏)‏ المشروطة تاريخياً ومعرفيا‏ً.‏

وهكذا فإنه لا ينبغي التمويه بحقيقة صدور القرآن عن مشكاة العلم الإلهي غير المحدود؛ وهي الحقيقة التي لا يمكن أن تكون موضوعاً للشك أبداً، علي حقيقة أن ما يصدر عنه من معرفة تبقي، هي نفسها، من قبيل المعرفة الإنسانية التي يستحيل استيعابها خارج إطار التحديدات- بل وحتي الإكراهات- الزمانية والمكانية. ولسوء الحظ، فإن ثمة من يقوم بهذا التمويه، فيضيف ما يتميز به القرآن( بما هو أحد تجليات العلم الإلهي غير المحدود) من الثبات والكمال والقدرة علي تجاوز تحديدات الزمان والمكان إلي ما نشأ وتخلق حوله من منظومات أنتجها الفهم الإنساني علي النحو الذي يجعل تلك المنظومات الإنسانية في جوهرها، تكتسب- أو تكاد- كل سمات العلم الإلهي من الثبات والاكتمال وعدم القابلية للتجاوز أبداً. وغني عن البيان أن الأمر- ضمن هذا السياق- لا يتجاوز حدود السعي إلي تأبيد تلك المنظومات- وذلك عبر فك روابطها مع تاريخها والتعالي بها إلي فضاء تكتسب فيه حصانة ضد التفكير والمساءلة- للتغطية بها علي أنظمة سياسية وأوضاع اجتماعية تريد أن تحقق لنفسها دوام الحضور وثبات الهيمنة.

علي مبروك

Tag: religion islam philosophy-of-religion



Vai alla citazione


رغم ما يبدو للمراقب من الانقسام الراهن للنخبة المصرية بين شرائح تتبرقع بالقداسة، وأخرى تتلفح بالحداثة، فإن نظرة أعمق على ما يرقد تحت السطح تكشف عن أن الكافة، من المتبرقعين بالقداسة والمتلفحين بالحداثة، يقفون معاً تحت مظلة ذات الخطاب الذي يتنكر للجمهور ويروم إقصاءه، فإن من راحوا يرفعون - ليلة تنحِّي مبارك - شعار «الله وحده هو الذي أسقط النظام» لا يختلفون عن أقرانهم الأسبق الذين جعلوا «محمد علي (باشا) هو باني مصر الحديثة»، وبما يُفهَم منه أن الجمهور لم يكن حاضراً كفاعل لا في الإسقاط، ولا في البناء.

- وبالطبع فإن ذلك لا يعني أن الجمهور كان غائباً بالكلية، وإنما يعني فقط أنه لم يكن حاضراً كفاعل «حقيقي» أي كذوات تفعل وتقرر لنفسها، بل كفاعل «مجازي» أي كأدوات يفعل بها غيرها، وهكذا فإنه كان على المصريين الذين دخلوا القرن التاسع عشر وهم «أدوات الباشا» التي يبني بها مصر الحديثة، أن يدخلوا القرن الحالي وهم «أدوات الله» التي أسقط بها نظام مبارك، وبما يعني أن شيئاً لم يتغير في وضعهم للآن، وفي المرتين، فإن ذلك كان يحدث، وللمفارقة، عقب ثورة كبرى يقومون بها ضد طاغية أرهقهم باستبداده وفساده، ولقد كانوا يثورون من أجل أن يكونوا «ذواتهم»، ولكن نخبتهم خذلتهم وشاءت لهم أن يكونوا «أدواتً» بأيدي غيرهم

علي مبروك


Vai alla citazione


لزم السعي إلى التحرر من سطوة العوالم (القديمة وامتداداتها الحديثة) والتفكير خارج فضائها الآسن، وعلى النحو الذي يفتح الباب حقاً لخطاب الفجر الذي ينبلج الأن. وضمن هذا السياق، فإنه يلزم التنويه بأن هذا التحرر لا يتعلق أبداً برفض أي من الدين أو الحداثة، بقدر ما يتعلق بضرورة تجاوز خطاب "القوة" الذي استبد بهما، إلى خطاب "الحق" الذي جرى تغييبه فيهما. وبقدر ما يؤدي هذا التجاوز إلى بناء دولة الحق التي يرنو إليها الكافة في العالم العربي، فإنه سيسمح أيضاً لكل من الدين والحداثة أن يستعيدا روحيهما الحقة.

وفي كلمة أخيرة؛ فإنه الانتقال من الاشتغال بآلية الجمع "التجاوري" الذي يتحدد بحسبها بناء كلٍّ من الواقع والخطاب اللذين يسودان عالم العرب إلى التأسيس المعرفي للمفاهيم التي يتداولها الكافة من الأيديولوجيين السابحين ( على تنوع تياراتهم وأطيافهم) على سطح خطاب راكد، من غير تدقيق وفحص وضبط، بل عبر ضروب فادحة من التعميم والتلفيق التي حالت، وستظل تحول، دون أن تتجاوز مصر، ومعها العرب، واقعاً فرضت عليه إكراهات الأيديولوجيا أن يعيش انقساماً فاجعاً بين جوهره ومظهره؛ وهو الانقسام الذي يسعى العرب، بثوراتهم، إلى تخطيه ورفعه، وغنيٌ عن البيان أن ذلك لن يكون ممكناً إلا بترسيخ خطاب التأسيس.

علي مبروك

Tag: religion philosophical philosophy-of-religion



Vai alla citazione


وبالإشارة إلى الإنجاز الذي قدمه الأب المؤسس للحركات الجهادية المعاصرة؛ الذي هو (سيد قطب)، نجد أن نصوص الرجل قاطعة بأن ما يطرحه مما يقول أنه (التصوُّر الإسلامي) ليس نتاجاً لقراءته أو تفسيره الخاص للقرآن، بقدر ما هو التصوُّر (ذاته) الذي جاء به القرآن، وهو يقدِّم نفسه من خلال الرجل (أي قطب). فالرجل -في كتابه (خصائص التصوُّر الإسلامي)- يقرر صريحاً وحاسماً إنما نحن نحاول تقرير حقائق التصوُّر الإسلامي في ذاتها كما جاء بها القرآن كاملة شاملة متناسقة.

وهو -فضلاً عن ذلك- يرى أن من الخطأ المنهجي الأصيل محاولة استعارة أي ميزان، أو منهج من مناهج التفكير المتداولة في الأرض -عالم البشر- للتعامل بها مع هذا التصور الرباني الكامل الشامل الذي جاء به القرآن. وإذن فإنه ليس التصوُّر فقط، بل وكذا منهج التعامل معه، هو من قبيل ما لا ينتمي إلى عالم البشر؛ وبما يعنيه ذلك من أن قطب يعتبر أن كل ما يقدمه هو التصوُّر الرباني والمنهج الرباني كما جاء بهما القرآن

علي مبروك


Vai alla citazione


« prima precedente
Pagina 3 di 3.


©gutesprueche.com

Data privacy

Imprint
Contact
Wir benutzen Cookies

Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.

OK Ich lehne Cookies ab