أسأل يا زرقاء ..
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
عن صرخة المرأة بين السَّبي .. والفرارْ ؟
كيف حملتُ العار ..
ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..
عن فمكِ الياقوتِ عن ، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
قيل ليَ "اخرسْ .."
فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
أجتزُّ صوفَها ..
أردُّ نوقها ..
أنام في حظائر النسيان
طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
وها أنا في ساعة الطعانْ
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
دُعيت للميدان !
وما تزال أغنياتُ الحبِّ .. والأضواءْ
والعرباتُ الفارهاتُ .. والأزياءْ !
فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
كي لا أعكِّر الصفاء .. الأبله.. المموَّها.
في أعين الرجال والنساءْ !؟
وأنت يا زرقاء ..
وحيدة .. عمياء !
وحيدة .. عمياء !
أحُّس حيال عينيكِ
بشئ ٍ داخلي يَبكي
أريد أن يبرز لي أوراقه الرسمية
شهادة الميلاد.. والتطعيم .. والتأجيل
والموطن الأصليّ .. والجنسية
.. حتى يُمارس الحرية !
هذا قدر المهزوم :
لا أرض ... ولا مال
ولا بيت يردُ الباب فيه ...
قلت لكم
لكنكم
لم تسمعوا هذا العبثْ
ففاضت النار على المخيمات
وفاضت الجثث !
في غُرَفِ العمليات ..
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ ..
لونُ المعاطفِ أبيض ..
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات ..
الملاءاتُ
لونُ الأسرّةِ .. أربطةُ الشاشِ والقُطْن,
قرصُ المنوِّمِ .. أُنبوبةُ المَصْلِ ..
كوبُ اللَّبن
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ..
يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ ؟
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاة من الموتِ ؟
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ ..
***
ضِدُّ منْ ..؟
ومتى القلبُ - في الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ ؟!
***
بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء..
الذينَ يرون سريريَ قبراً
وحياتيَ.. دهراً
وأرى في العيونِ العَميقةِ
لونَ الحقيقةِ
لونَ تُرابِ الوطنْ!
( مايو 1982 )
من كتاب ( أمل دنقل - الأعمال الكاملة ) " أوراق الغرفة ( 8 ) -" فصيدة بعنوان :- " ضد من ؟ " - صــــ 373 و 374 - طبعة دار الشروق
Tags: poetry
كلُّ شيءٍ يفِرُّ,
فلا الماءُ تُمسِكُه اليدُ,
.والحُلْمُ لا يتبقَّى على شُرفاتِ العُيونْ
Tags: سفر-ألف-دال
« first previous
Page 16 of 21.
next last »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.