وهو الفتى الذي تحدثت الفتيات في الخدور بوسامته وحيائه وودت مئات منهن لو نعمن منه بنعمة الزواج وهو الفتى الذي اقام مع عروسه ثلاثة أيام , ثم سافر ليتجر فإذا السفرة التي لا يؤوب منها الذاهبون .
وهو الفتى الذي مات وهو غريب , وولد له نسله الكريم وهو دفين . وهكذا تتمثل البصائر الخاشعة آباء الانبياء والسلالة التي تصل بين الآخرة والدنيا وبين عالم البقاء وعالم الفناء.
ثم ها هو ذا رجل لا يشركه رجل آخر في صفاته ومقدماته ، ولا يدانيه رجل آخر في مناقبه الفضلى التي هيأته لتلك الرسالة الروحية المأمولة في المدينة.. وفي الجزيرة،وفي العالم بأسره.
نبيل عريق النسب .. وليس بالوضيع الخامل، فيصغر قدره في أمة الانساب والاحساب..
فقير.. وليس بالغني المترف الغني فيطغيه بأس النبلاء والاغنياء ، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار.
يتيم بين رحماء.. فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والارادة والاستقلال ، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الامل وعزة النفس وسليقة الطموح ،وفضيلة العطف على الآخرين.
خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة.. تربى في الصحراء وألف المدينة، ورعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والاحلاف، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء..
فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية.. وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه.. فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق في لجتها.. أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة ، على غير علم من الدنيا التي ترقبها.
ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام..
فالفصاحة صفة تجتمع للكلام ، وهيئة الكلام ،
ولموضوع الكلام..
وقد قضى محمد صلَّ الله عليه وسلم شبابه وهو يؤمن بفساد الزمان وضلال الاوثان ..
عباس محمود العقادالحرمان بعد التذوق والاستمراء أصعب من حرمان من لم يذق ولم يتغير عليه حال.
عباس محمود العقادوحسبك من حب الضعفاء اياه ، ان فتى مستعبداً يفقد اباه و أسرته -كزيد بن حارثة- ثم يظهر له أبوه بعد طول غياب ، فيؤثر البقاء مع محمد على الذهاب مع ابيه ..
عباس محمود العقادوحسبك من حب الاقوياء اياه أنه جمع على محبته أناساً بينهم من التفاوت في المزاج والخصال ما بين أبي بكر وعمر وعثمان وخالد وأبي عبيدة، وهم جميعاً من عظماء الرجال.
عباس محمود العقادمن جانب القبرِ لسانٌ بدا
يكذبُ ما شاءَ ولا يستحي
هذا هو التاريخُ!، لو أنني
صوّرته يومًا على المسرح
رويدكَ!، إنكَ أنت الحياة
وفيها محيطكَ والمحورُ
وشأوك منها كما تشتهي
وحظكَ منها كما تقدرُ
بروجُ السماواتِ في طيّها
وما غابَ عنها وما يحضرُ
ومن خلف ذلكَ أغوارها
مذاهبُ للنفسِ لا تُحصرُ
إذا أنت لم تدر مقدارها
فكيفَ لما فوقها تنظرُ
فيا أيها المترجّي الدوامَ
يدومُ الجمادُ ولا يفخرُ
وواعجبًا كيف تهوى الخلودَ
وأنتَ من اسم الردى تنفرُ
هل الموت إلا فناء الشعورِ
وهذا الخلود الذي تؤثرُ
وشاع أن النبي صلَّ الله عليه وسلّم قضى بقتله فتقدم ابنه وقال له: ((يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبرّ بوالده مني ، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل رجلاً مؤمناً بكافر فأدخل
النار
فأبى النبي صلًّ الله عليه وسلّم أن يقتله وآثر الرفق به ، وزاد في إفضاله وإجماله فكافأ الولد خير مكافأة على خلوص نيته وإيثاره البر بدينه على البر بأبيه ، فأعطاه قميصه الطاهر يكفّن به أباه ، وصلى عليه ميتاً ووقف على قبره حتى فرغ من دفنه ، وقد حاول عمر أن يثنيه عن الصلاة على ذلك العدو الذي آذاه جهد الإيذاء ، فذكر الآية :
{استغفِر لَهُم أَو لَا تَستَغفِر لَهُم إن تَستَغفٍر لَهُم سَبعينَ مَرَّة ً فَلَن يَغفِرَ اللهُ لَهُم} فقال: ((لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له زدت )).
« prima precedente
Pagina 33 di 35.
prossimo ultimo »
Data privacy
Imprint
Contact
Diese Website verwendet Cookies, um Ihnen die bestmögliche Funktionalität bieten zu können.